صحيفة الكترونية اردنية شاملة

قبل خط النهاية

0

المفترض، بحسب الاتفاق الموقع مع صندوق النقد الدولي، أن “نتخرج” العام المقبل من برنامج التصحيح الاقتصادي؛ إذ وقع الاتفاق للفترة 2012-2015.

لكنّ الواقع والأرقام والخطط الإصلاحية تقول غير ذلك. فما يزال أمام الأردن الكثير من العمل لتحقيق الإصلاح الاقتصادي المنشود، رغم أن حكومة د. عبدالله النسور أخلصت للمؤسسة الدولية، فقامت بكل ما هو ممكن، حتى صار البرنامج المطبق من قبل الأردن نموذجا يسعى “الصندوق” إلى تعميمه، بعد فهمه.

وقبل نحو أربعة أشهر، حضر إلى المملكة فريق خاص من البنك الدولي لفهم العملية الجارية؛ كيف تمكنت الحكومة من تمرير القرارات الصعبة في ظل الظروف شديدة التعقيد محلياً، وشعور الناس بالحنق.

ما لم يفهمه الفريق أن نجاح الخطة لم يتأتَ من “بتع” الحكومة، بل هو جاء من شعور المجتمع بالمسؤولية، بالدرجة الأولى، والخوف من مصير غامض مشابه لما يحدث في دول مجاورة؛ فكان أن قبض الأردنيون على الجمر، وتحملوا كل صعب على حساب أساسيات متطلبات حياتهم.

بالعودة إلى برنامج التصحيح، وسؤال “هل سنتخرج من الصندوق أم لا؟”، يبدو أن الحكومة غير راغبة في ذلك!

الفكرة، رغم صعوبة هضمها، تبدو منطقية. فالحكومات أثبتت على مدى السنوات الماضية، أنها ليست أهلا لمغادرة مسرح “الصندوق”. ولا بد أن كل مسؤول في الحكومات المتعاقبة منذ العام 2004 -وهو العام الذي “تخرّج” فيه الاقتصاد الأردني من برنامج تصحيح اقتصادي سابق بالاتفاق مع “الصندوق”- يدرك اليوم أن الأمور ستسوء بمجرد رحيل المؤسسة الدولية، وتوقف زيارات بعثاتها، حتى الاعتيادية منها. وهو ما حدث فعلا، حتى بلغ الاقتصاد حافة الانهيار، لنعود “باختيارنا” إلى “الصندوق”، لاسيما بعد رفض حتى دول شقيقة حليفة مساعدة الأردن، رغم ظروفه المالية الحساسة والخانقة، ولسان حال هؤلاء الأخوة يقول: طالما لم يصل الأردن حد الانهيار وما يزال على الحافة، فليس من داع لعون.

نحن أبناء اليوم. وبالنظر إلى تجربة الماضي ومعطيات الحاضر والتوقعات المستقبلية، يبدو أن الأفضل للبلد البقاء في أحضان “الصندوق”، طالما أن مسؤولينا عاجزون عن إصلاح حالنا.

بيد أن ذلك لا يعني عدم وجود مسؤولية ودور على جميع الأطراف الأردنية المعنية، من دون استثناء. والحديث هنا تحديداً عن الجهات الرسمية، المطلوب منها الاقتناع (أخيرا) أن إمكاناتنا محدودة، فلا يمكن لنا الإنفاق كدولة نفطية؛ إذ ما نزال نعاني من عجز كبير في الموازنة العامة وموازنات المؤسسات المستقلة، يقدر للعام المقبل بمبلغ يقترب من 2.8 مليار دينار قبل المساعدات، فيما ينخفض بعدها إلى نحو 1.6 مليار دينار.

المسؤولية تقضي تكاتف الجميع للالتزام بحرفية ما جاء في مشروع قانون الموازنة العامة للعام المقبل، ومحاولة ضبط النفقات؛ لاسيما أن اتجاه أسعار النفط العالمي، والتي كسرت نزولا حاجز 78 دولارا للبرميل، يخدم هذه الفكرة، من حقيقة تقليل دعم الكهرباء، كما الدعم النقدي المقدم للمحروقات.

من هنا نبدأ الإصلاح الحقيقي الذي يتحمل كلفه الجميع، وليس فقط المواطن العادي البسيط الذي أرهقته كلف الحياة المرتفعة، متضافرة مع محدودية فرص العمل. الإنفاق الحكومي المقدر للعام المقبل يقترب من 10 مليارات دينار، وتثبيته واعتباره رقما مقدسا لا يجوز القفز عنه، يبعث برسالة مضمونها وعي الجميع بخطورة نمو المديونية التي تقترب من نقطة 32.3 مليار دولار، في وقت لا نملك بعد خطة للتخفيف منها. مع التذكير أن علاج المديونية يحتاج خطة منفصلة، تتطلب إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية.

موازنة العام المقبل هي بداية الطريق. والأصعب من العثور على طريق الخلاص، هو إكمال السير عليها حتى خط النهاية؛ فلا نسقط في وسط المضمار ونفقد فرصة العبور.

موازنة 2015: العبرة في الالتزام والتطبيق، وهذه بداية طريق السلامة.

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.