صحيفة الكترونية اردنية شاملة

وكأن شيئاً لم يكن!

0

عنوان طريف صدرت به صحيفة “الأخبار” اللبنانية، قبل بضعة أيام، هو: “اللبنانيون يأكلون خ**”، لتقرير مطوّل عن حجم التلوث في طعام اللبنانيين، يستند إلى تصريحات وزير الصحة اللبناني؛ بأنّ عيّنات من مطاعم ومتاجر لبنانية ثبت أنّها تحتوي على “براز بشري ومياه مجاري”!
الصدمة الحقيقية في التقرير أنّ الأسماء الموجودة ليست مغمورة أو غريبة، بل أغلبها معروف على مستوى عالمي، وله فروع متعددة، وبعضها موجود في الأردن.
ما يعنينا في الأمر هو أنّ وزير الصحة اللبناني نشر جدولاً بأسماء تلك المطاعم المشهورة، وشهّر بها في الإعلام. وفسّرت “الأخبار” ذلك بإدراك الوزير أنّ أصحاب تلك المطاعم سيخرجون “مثل الشعرة من العجين”، في ظل منظومة الفساد الحاكمة، فأراد الوزير أن يحذّر اللبنانيين بنفسه.
على الصعيد الأردني، الوضع أفضل بكثير، وفق الدكتور هايل عبيدات، مدير عام مؤسسة الغذاء والدواء، وهو الذي قام بدور مهم وكبير، واتخذ قرارات جريئة ضد المطاعم والمتاجر المخالفة.
ذلك لا ينفي، بالطبع، حالة القلق الشعبي الشديدة التي تنامت خلال الفترة الأخيرة، مع ازدياد حالات التسمم، واكتشاف حشرات في بعض المواد الغذائية. وقرأنا، كذلك، عن أسماء لمطاعم مشهورة تمّ إغلاقها، بسبب عدم صلاحية المواد المستخدمة من قبلها في الغذاء، وفسادها. كما نسمع بصورة دائمة عن إتلاف كميات كبيرة من الغذاء أو العصير الفاسد.
وربما ما قام به وزير الصحة اللبناني ضد مطاعم، بالتشهير بها، يدفعنا إلى سؤال جوهري حول مصير المطاعم وأصحابها التي يتم اكتشاف مخالفات “حرجة” فيها، أو أولئك الذين يتم اكتشاف كميات كبيرة من المواد التموينية الفاسدة لديهم؛ إذ ماذا يحدث بعد ذلك؟ بخاصة أنّنا بعد أيام قليلة نجد أن المطاعم والمحلات نفسها قد أعيد افتتاحها، وكأنّ شيئاً لم يكن!
قديماً قيل: من أمن العقوبة أساء الأدب. فالمشكلة تكمن، وفقاً للدكتور هايل عبيدات، في قصور العقوبات في التشريعات المتعلقة بالغذاء. فهناك إمكانية في القانون الحالي للغذاء، لاستبدال الغرامة بالعقوبة، وفتح المحلّ أو المطعم بعد أيام قليلة.
في المقابل، وهذا بيت القصيد، هناك قانون جديد اليوم للغذاء والرقابة عليه، من المفترض أن يعرض على مجلس النواب في الدورة الحالية، يتضمن تشديدا في العقوبات، وعدم استبدال الغرامة بالسجن، وفرض رسوم الإعلان في صحيفة يومية على صاحب المطعم أو المتجر المخالف، فيه إشارة إلى المخالفات التي قام بها، للتشهير به. وهو القانون الذي تمثّل سرعة إنجازه مهمة وطنية على درجة كبيرة من الأهمية، بخاصة في الوقت الراهن، لطمأنة المجتمع وتبديد المخاوف المتزايدة حول سلامة الغذاء.
في الوقت نفسه، يطالب الدكتور عبيدات بتخصيص غرفة قضائية متخصصة لقضايا الغذاء والدواء، أسوة بقضايا أخرى؛ ما يعزّز من عامل الردع القضائي والقانوني لمخالفات الغذاء، في الوقت الذي أصبحت هناك حالة “عشوائية” داخلية في مجال تجارة الأغذية، ناجمة عن الازدياد الكبير في عدد اللاجئين.
بخصوص الحشرات التي وجدت في بعض علب الشوكولاتة المعروفة، يرد عبيدات بأنّ هناك ضمانات تحصل عليها مؤسستا المواصفات والمقاييس والغذاء والدواء من الشركات الكبرى المعروفة، فيما يتعلق بمدة الصلاحية والجودة. وما حدث في العلب المذكورة، يتعلق بشروط التخزين في المحال التي تم اكتشافها فيها؛ إذ كانت بالقرب من مواد ناقلة للحشرات، بينما تؤكد العينات التي أخذت من الشحنات نفسها المستوردة سلامة الشحنة.
في نهاية اليوم، هناك ضرورة ماسة لإقرار هذا القانون، وتشديد العقوبة على المخالفين؛ وتعزيز المؤسسات الرقابية وتقويتها، كما تعزيز سلطاتها وصلاحياتها؛ فالمسألة تدخل في صميم الأمن الغذائي الوطني.
الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.