صحيفة الكترونية اردنية شاملة

نداء الجمهور كلمة حق صادقة . . !

0

في افتتاح الدورة الثانية العادية لمجلس الأمة السابع عشر يوم الأحد 2 / 11 / 2014 ، وبعد أن القى جلالة الملك خطاب العرش ، باشر النواب بإجراء التصويت لانتخاب رئيس لمجلس النواب . وما أن ظهرت النتيجة إلا وانفجرت أصوات جمهرة من الحضور في شرفة المجلس تنادي بصوت واحد : مصاري . . مصاري ، دبت على أثرها الفوضى والتشويش تحت القبة ، الأمر الذي دفع رجال الأمن للتدخل وإخراج المحتجين من الشرفة ، حيث انطلقوا لتكسير إحدى نوافذ المجلس الزجاجية وبعض سيارات النواب المتواجدة حول المكان .

فورة الغضب هذه لم تركز على نزاهة التصويت ، رغم أن الأوراق كانت تقرأ دون عرضها أمام الحضور أو على كاميرا التلفزيون ، تحقيقا للشفافية التي يدعيها المجلس . ولكن تلك الكلمة التي توحدت على لسان الجمهور ، كانت تعبّر في حقيقتها عن احتقان متراكم لديهم نتيجة لاستخدام المال السياسي في الانتخابات النيابية السابقة ، وما تلاها في هذه الانتخابات المتعلقة برئاسة المجلس وما جرى بين النواب أنفسهم .

قد يكون في احتجاج الجمهور شيئا من الحقيقة المستترة والظاهرة . فقبل بضعة أشهر قام رئيس المجلس المنتخب حاليا خلال ترؤسه للدورة الأولى من عمر المجلس ، بتخصيص مبلغ 300 دينار شهريا بدل تنقل لكل نائب و 250 دينار شهريا لمدير مكتبه ، رغم أن معظم هؤلاء النواب هم من الأثرياء وليسوا بحاجة لذلك المبلغ ، الذي شكل ما مجموعه 990 ألف دينار سنويا تدفع من موازنة المجلس ، والتي هي جزء من موازنة الدولة التي تعاني من عجز ظاهر . كان من الممكن أن يوظِف ذلك المبلغ 300 شاب أردني من العاطلين عن العمل ويخفف ولو جزءا يسيرا من البطالة ، بدلا من صرفها للنواب ومدراء مكاتبهم دون مبرر .

إن المال السياسي وسيلة اتبعها عدد كبير من النواب منذ إقدامِهم على الترشح للانتخابات النيابية ، ويستمر بمرافقتهم خلال عملهم تحت القبة بصورة سرية أو علنية تعرفها الأجهزة الأمنية ، ولكنها تضع نظارة حاجبة على عينيها وتصم آذانها عما يدور في الساحة ، للإيهام بأنها لا ترى ولا تسمع ما يجري من استخدام للمال السياسي لتحقيق مآرب النواب الشخصية .

بتاريخ 11 / 10 / 2014 نشرت مقالا على عدد من المواقع الإخبارية تحت عنوان : ” نواب البزنس . . متى نقول وداعا ؟ ” بينت به أن الأثرياء ورجال الأعمال هم من يحتكرون الجلوس تحت قبة البرلمان بفضل سلاح المال الذي يمتلكونه . وأكدت بناء على ذلك بأن هؤلاء النواب سيجثمون على صدورنا بصورة مؤبدة ، من خيمة الانتخابات إلى آخر نفس في حياتهم ، بغض النظر عن كفاءاتهم العلمية أو سيرتهم الذاتية أو تفانيهم في خدمة الوطن . وإن كنت لا أعمم هذه الصفات على جميع النواب ، بل أعنى الغالبية منهم ، فإنني أعترف بأن من بينهم نوابا شرفاء أكن لهم التقدير والاحترام .

وقد قدمت في مقالتي المشار إليها بأعلاه مقترحات محددة ، لمواصفات النائب التي أتمنى أن يحوز عليها في المستقبل ، لكي يمثل الأمة بصورة لائقة في مجلس نواب وطني يحظى بقبول الشعب ورضاه . وللتذكير بتلك المواصفات سأعيد ذكرها تاليا بصورة موجزة :

1. أن يحمل النائب الشهادة الجامعية الأولى كحد أدنى .

2. دراسة سيرته الذاتية وملفه الأمني قبل الموافقة على ترشيحه .

3. عدم السماح للنائب بتكرار النيابه لأكثر من مجلسين نيابيين ، تحقيقا لتداول السلطة وإفساح المجال لشباب آخرين يحملون أفكارا جديدة تثري عمل البرلمان . إذ لا يعقل أن يجلس نائب على الكرسي نفسه لما يزيد عن ربع قرن .

4. اعتبار خدمة النائب في المجلس خدمة وطنية ، يُقدم له خلالها مكافأة شهرية مناسبة ، وليس راتبا شهريا يتبعه راتبا تقاعديا مدى الحياة بعد خدمة 7 سنوات فقط ، في مختلف دوائر الدولة ودون اشتراك بصندوق التقاعد .

5. التشريعات التي يسنها المجلس بخصوص أعضائه تطبق على المجالس اللاحقة وليس على المجلس الذي أقرها تجنبا للشبهة .

ومن الغريب في الأمر أن حكومتنا الرشيدة وديوانها التشريعي يقرأون ما يكتب من قبل المثقفين وأهل الفكر في مواضيع مختلفة تهم الدولة ، ولكنهم لا يستجيبون لأي اقتراح يردهم أو يناقشون كاتبه ، باعتبار أنهم وحدهم من يحيطون بكل العلوم الدنيوية ، ورأيهم هو الصواب الذي لا يأتيه الباطل من أمامه أو خلفه ، ولا بد من اتباعه دون تعديل أو تغيير .

في الختام أقول : بأن نداء الجمهور الذي انطلق من شرفة مجلس الأمة بعد عملية التصويت على رئاسة المجلس ، هو كلمة حق صادقة خرجت من أعماق الشعب . وعلى الحكومة وأجهزتها المعنية أن تستجيب لنداءاتهم ، وتطبق ما تحدث به جلالة الملك في خطابه الافتتاحي لهذه الدورة عندما طالب ” بترسيخ مبادئ النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد وتعزيز ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها ” . فهل تسمع الحكومة وتستجيب لهذه النداءات ؟ أم في آذانها وقر يدفعها إلى العناد ويبعدها عن اتباع الصواب ؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.