صحيفة الكترونية اردنية شاملة

طاعة الإمام المتغلب وأزمة الفتوى

0

بسم الله الرحمن الرحيم
ما هو الفرق بين شرعية حكم أبو بكر البغدادي لدولة العراق والشام وشرعية حكم بقية السلاطين العرب؟.
فإذا كان البغدادي حاكما مستبدا اغتصب السلطة رغما عن ارادة الشعب فأي حاكم عربي جاء بانتخابات نزيهة؟، واذا كان البغدادي قاتلا فدونكم بشار الاسد ونوري المالكي مجرمون وقتلة وأما السيسي فقاتل للشعب المصري والليبي ومشارك بقتل الشعب الفلسطيني في غزة اضعافا مضاعفة مما فعله الخليفة البغدادي، وإذا كان الحاكم لدولة العراق والشام إرهابيا يستوجب تحالفا دوليا بقيادة اميركا للقضاء عليه فإن الإرهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني والإرهاب الاميركي ضد البشرية فائض عن سعة المكان واحتمال التاريخ والزمان.
بالتأكيد ليس دفاعا عن ولا تبريرا لمنهج الغلو والتكفير او ممارسات دولة داعش في العراق وسوريا بقدر ما يستوجب المقام ادانة لجميع المنابت الفكرية والسياسية التي انتجت الظاهرة الداعشية ومشتقاتها.
على مر العصور سادت فتاوى وجوب السمع والطاعة للإمام المتغلب – الذي يصل الى الحكم بصرف النظر عن طريقة الوصول – وإستكمالا للفتوى بعدم جواز بل وحرمة الخروج على الحاكم الظالم حتى لو جلد الظهور واغتصب الاموال، وهذا الفقه المتوارث جيلا بعد جيل لم يخضع لمراجعة علمية وفقا لمقاصد الشريعة ولا لضوابط الاصول الفقهية فضلا عن قواعد الاستنباط والاستدلال واستمر التوظيف لأجتهاد المفتين – يصفهم البعض بعلماء السلاطين – من قبل السلطة السياسية مصاحبا للتاريخ الإسلامي منذ الدولة الاموية حتى يومنا هذا.
باب وجوب السمع والطاعة للإمام المتغلب في كتب الفقه يحفل بعجائب القياس وغرائب الإستدلال من أجل تبرير الواقع والحيلولة دون تغييره وقد أفتى بعضهم بجواز بيعة الإمام إذا بايعه اثنان من اهل الحل والعقد وذلك قياسا على جواز العقد الشرعي في الزواج بشهادة
إثنين من الشهود الثقات! فجواز حكم الامة – بضم الميم وتشديدها- بإيجاب وقبول وبعقد اجتماعي دستوري مقاسا على صحة زواج رجل من جارية أو امة – بفتح الميم- ، من اغرب تلك العجائب.
المدرسة السلفية التي اعتمدت هذا المنهج في التعامل مع اصول الحكم في تبيان البيعة والسمع والطاعة للحاكم تقف اليوم امام حرج ليس له مثيل فخليفة الدولة الإسلامية في العراق والشام إمام متغلب يسيطر على ثمانية ملايين مواطن في ست محافطات خضعت لحكمه الآخذ بالتوسع والتهام بقية الدويلات والممالك والامارات، والإفتاء بجواز مقاتلته ينسف أساس الفتاوى الغالبة كما أنه ينقض المنهج المعتمد ويعيد النظر بالموروث الفقهي.
إجازة الخروج على البغدادي تفتح الباب لإبطال حكم الإمام المتغلب في بقية الدول العربية وإجازة الخروج عليهم.
فالمعادلة إذا بين الإذعان لحكم داعش وفقا للفتوى المعتمدة او جواز الخروج عليه وعلى البقية.
مفترق محرج في عالم الوعي العائد بقوة الى الذاكرة والوجدان العربي، وعي عابر للحدود وقادر على اختراق السدود، فالشقوق التي أصابت البنيان الفكري والسياسي في الوطن العربي لا ينفع معها ترميم او ترقيع،
واستمرار التناقض في انتقاء الاحكام والمعايير المزدوجة أو المتعددة باختيار الفتاوى من شأنه ان يعصف بأركان الواقع واساسات الموروث.
آن الاوآن لمراجعة عميقة تتجاوز مفردة فقهية او مناورة شكلية، والفرصة المتاحة نحو إعادة الإعتبار لدور الامة وصياغة العقل المسلم وتحرير المصطلحات المتداولة وتحديد الموقف منها، كمنظومة الحكم الدستوري والعقد والاجتماعي ومفردات(الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والانتخابات النزيهة وحكم الاغلبية وحق المعارضة والتداول السلمي للسلطة وتلازم الصلاحيات والمسئوليات والبيعة والسمع والطاعة وحق الشعب في تولية الحاكم وعزله…) هذا الجهد يحتاج الى علماء وشهداء يقودون حركة التنوير الجديدة لتحقيق مراد الشارع -سبحانه وتعالى- ومقاصد الشريعة، والامر لا يحتمل التأجيل او الإحالة الى المجهول في عالم يتسابق فيه الجميع بسرعة البصر لاستكمال البناء الحضاري والتخلص من مرحلة الاستبداد وناتجه من الظلم والفساد والتخلف والتجزئة والتبعية والإرتهان.
هذا هو جوهر الربيع العربي المفضي الى حاكم متغلب بتفويض محدد من الشعب.
نقطة البداية اننا نعيش اليوم في زمن لا مكان فيه ل ( المستبد العادل) ولا شرعية لحاكم الا بتفويض من الشعب بعد سلسلة من الفشل والخيبات و والهزائم والانكسار.
لم يعد بمقدور احد ان يدعي انه ظل الله في الارض فإما هو او الدمار فلا ولاية مطلقة لفقيه شرعي او حاكم سياسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.