صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مراجعات

0

إن تأجيل إعادة النظر بالموروث الفقهي والفكري لدى الامة وتنقيته مما علق به من باطل النصوص واعوجاج الفهم وعدم الاعتبار لمتغير الزمان والمكان، ساهم في إنتاج حالة الغلو والتطرف والتشدد، كما أن الاستبداد الذي مارسته السلطة السياسية وتوظيفها لسطوة الفتوى الدينية ولإضفاء الشرعية والقداسة على فساد الحكم والحاكمين نزع الثقة بتلك المؤسسات الرسمية ودفع المتحمسين من الشباب للهجرة الذهنية والحسية والعملية في رحلة البحث عن البديل، إذا أضفنا إلى ذلك حالة الاغتراب والمعاناة والتهميش والقهر التي تشعر بها الأجيال فإن الناتج المرجح هو تزويد البؤر التكفيرية المستقطبة للشباب بقوة جذب إضافية واصبحت بنظرهم هي الحل.
أسرة الحركات التكفيرية المتجددة بنسخ فائضة في الغلو وغير منقحة من استحلال الدماء والأموال، أصبحت عنواناً للتخلص من الظلم الطائفي والفساد السياسي والتجزئة القطرية.
إن تلك الحركات لم تصنع فكرها ولم تنتج فقهها بل وجدته في الموروث المتداول والمنقول المتواتر.
الأمر الذي يستوجب الإسراع في إجراء المراجعات الجريئة والعميقة والشاملة دون التوقف أمام الإشارات الحمراء المصطنعة لرفع القداسة إلا عن النص القرآني وكشف الحصانة والعصمة إلا عن النبي – صلى الله عليه وسلم-، مع مراعاة أن هذا المنهج لا يعني الانتقاص من فضل السابقين وقدرهم واحترامهم؛ فذواتهم لا تقدم على النص وفهمهم هو اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ ولو عاشوا زماننا هذا لأوسعوا في الإجتهاد والإبداع.
وفي غمرة إنهماك الحركة الإسلامية بمواجهة الحملات المحلية والاقلميية والدولية والساعية الى تفكيكها واجهاض مشروعها الحضاري المعتدل ثمة ملفات كبيرة ومؤجلة منذ زمن بعيد وواجبات كلية مقدمة على أولويات التدافع الداخلي بصرف النظر عن طبيعة الخلاف واسبابه او من يقف خلفه فإن كل المسوغات التي يتبناها اصحاب المبادرات في هذا السياق مهما كانت بواعثها ساهمت في إشغال الحركة وإستنزافها وربما تعطيل فتح ابواب المراجعات الضرورية بطريقة واعية وهادفة وبعيدة عن الفوضى العبثية التي من شأنها العصف والقصف لمكنونات القوة والقدرة للحركة والمجتمع.
أهمية المراجعات المؤسسية المنضبطة انها تحمي المجتمعات من الانفجارات العنيفة وحالات التشظي القاسية وتقي من المآلات المتطرفة بالاتجاهات المعاكسة، فأوروبا في عصورها الوسطى وبعد المعاناة التي لا تحتمل ثارت على موروثها فحطمت الأغلال والقيود ولكنها أنتجت تطرفا علمانيا ملحدا طرد الدين من الحياة وحاصره في زوايا الكنيسة وانتج الانحلال الأخلاقي وسعار الفوضى الشهوانية الطاغية.
ببساطة دور العلماء وأصحاب الشهادات الشرعية مفقود في هذا المضمار وهم أصحاب المسؤولية عن هذا التردي فكم من المصطلحات التنويرية والألقاب الإبداعية الصقت ببعضها؟ ولم نجد لها بحثاً علمياً محكما أو اسهاما منهجيا مهدفا لمواجهة التحديات التي تطرق ابوابنا وتقف على عتباتنا.
انشغال الكثير من العلماء بخلاف الأولى جعلهم يتنازعون فيما بينهم ويهربون من مواجهة الحصاد المر الذي يراوح بين خيارات قاسية، فإما اكتساح لمنهج الغلو والتكفير وإما ردة عن الدين وفي كلا الحالتين صراع دموي وحروب أهلية تأكل الأخضر واليابس وتطحن مقومات النهوض التي رافقت مسيرة الربيع العربي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.