صحيفة الكترونية اردنية شاملة

دروس من اضراب المعلمين

0

قد يرى البعض أن الحكومة انتصرت، بتعنتها ورفضها، تحقيق كامل مطالب المعلمين خاصة المادية، واخرون يرون أن النقابة حققت انتصارا مهما لأعضائها، بتلبية معظم مطالبها وحصولها على تعهد رسمي بتنفيذ العلاوة في حال تحسن الوضع المالي للخزينة بعد 2016.
يستيطع كل فريق ان يحسب موازين الربح والخسارة كما يحلو له، لكن المهم أن هناك جملة من الدروس والنتائج الخطيرة التي ظهرت في المجتمع جراء اضراب المعلمين، والتي سيكون لها في المستقبل القريب اثر هام على كافة الاصعدة، خاصة في علاقة الحكومة مع افراد المجتمع.
الملفت للانتباه أنه بعد المؤتمر الصحافي لنقيب المعلمين، والذي اعلن فيه تعليق الاضراب، حدثت مناوشات بين معلمين شباب يتهمون المجلس ببيع قضيتهم للحكومة، في الوقت نفسه كانت قناة رؤيا تستضيف مجموعة من التربويين والنواب والمعلمين المستقلينو هاجموا بشراسة نقابتهم وأنها أبخست حقوقهم بتعليقها الاضراب.
في هذا الامر يتضح شيء رئيسي للحكومة وللجهات المعنية، انه في ظل مجلس نقابي مسيس ومهما كانت الجهة التي ينضوي تحتها، فانه افضل بكثير للتفاوض من هؤلاء المستقلين، الذين تدفعهم عوامل مادية بالدرجة الاولى لرفضهم تعليق الاضراب، فالاساس الذي كانت اعينهم تنظر اليه من وراء الاضراب هو الحصول على العلاوة المهنية وزيادة الراتب، دون النظر الى المكاسب الاخرى التي تحققت، فهم ينظرون الى راتب اخر الشهر بغض النظر عن وجود قوانين تحميهم من الاعتداء او حد ادنى للاجور في القطاع الخاص او حتى تحسين نظام الخدمة المدنية و الاجازات او التامين الصحي، فالعبرة بالعلاوة المادية، وهذه لم تتحقق في المرحلة الحالية، لذلك صب الكثير من المعلمين المستقلين جام غضبهم على النقابة.
هنا يتضح شيء اخر في غاية من الاهمية، وهو ان المعلمين الاردنيين وغيرهم من العاملين في جهاز الدولة العام بلا استثناء حتى في المؤسسات الاعلامية، بدأوا ينحون للتطرف في سلوكهم مع الحكومة نتيجة تردي اوضاعهم المعيشية، والامر ليس مسيسا كما يسوق البعض، بل هو دافع ذاتي من تلقاء انفسهم، فلا يوجد شيء يخسرونه، والكل يتذكر اضراب العاملين في احدى المؤسسات الاعلامية الرسمية قبل عامين، عندما طالبوا بزيادة رواتب وتعنتت الحكومة في رفضها، حينها حجبوا خدمة مؤسستهم عن السوق ولم يعودوا الا بعد ان اوعز رئيس الوزراء للضمان بالموافقة على تلك الزيادة التي اضطر مجلس الادارة للاقتراض من اجل تلبيتها، وهو ما ادخل المؤسسة الاعلامية في نفق مالي مظلم بدات فعلا تدفع ثمنه.
واضح ان خطة اعادة الهيكلة التي اتبعتها الحكومات السابقة لم تتضمن معالجات ناجعة لرواتب العاملين في القطاع العام، ولم تحقق لهم تحسنا ملموسا في معيشتهم، مقابل ارتفاع غير مسبوق على اسعار معظم السلع والخدمات، ما يؤشر على تراجع القوة الشرائية لدخول معظم العاملين والموظفين في السنوات القليلة الماضية.
الاوضاع الاقتصادية لغالبية العاملين في القطاع العام في وضع مزري للغاية، وهم ليسوا بحاجة لحزب ما يجيشهم ضد الحكومة واعلان العصيان والاضراب والاعتصامات، فالققر لا هوية له، والجوع لا يحتاج لمن ينبه من يشهر به، وهذا الامر يستدعي من الحكومة ولو لمرة واحدة على الاقل، الانتباه الى حالة الفقر التي اصابت العاملين في القطاع العام، والخاص ايضا، وان تغير سياستها تجاه حماية امنهم المعيشي والوقوف على سبل طمانتهم بدلا من الانحدار نحو الهاوية، فالامر حينها لن يقتصر على مطالب المعلمين، بل سنجد عشرات الالاف من العاملين والمتعطلين في صف واحد ضد الحكومة.

[email protected]

s[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.