صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الصدمة الكبرى!

0

تفاجأت أغلبية الرأي العام الأردني هذا العام بنتائج امتحان الثانوية العامة “التوجيهي” الحقيقية، التي قدّمت الواقع لنا كما هو؛ بعيداً عن الأوهام والأرقام الفلكية والكاذبة التي بنيت في الأعوام السابقة على الغش والخداع والتضليل. فاكتشفنا أنّ هناك خللاً فادحاً أصاب التعليم العام في البلاد، وتدهوراً هائلاً مرّ من تحت أقدامنا، وجريمة اقترفها مسؤولون قصّروا وتهاونوا وتخاذلوا في أداء واجباتهم، وقاموا بتمرير الخطايا والأخطاء الفادحة!
وبالأمس، وجدنا أنفسنا أمام صدمة أخرى من العيار الثقيل، ورفع للغطاء عن أبصارنا؛ عندما قرّر وزير التربية والتعليم إجراء امتحان مستوى (للمرة الأولى في تاريخ التربية) لمن يتقدمون لملء وظيفة التعليم في الوزارة، من قبل ديوان الخدمة المدنية، بعدما كان تعيين المعلّمين يتم خلال الأعوام الماضية، وفقاً لدور المتقدّم فقط، من دون أي تحديد للمستوى والكفاءة والأهلية!
فماذا كانت النتائج؟..
عدد من تقدّم للامتحان (ذكوراً وإناثاً) بحدود 4992 شخصاً، جميعهم أنهوا، بالضرورة، الدراسة الجامعية. ومن المفترض أن تكون نسبة النجاح في امتحان المستوى، الذي تصفه مصادر في “التربية والتعليم” بـ”الأساسي والبسيط”، شبه كاملة. لكنّ متوسط معدل العلامات في المجمل للمتقدمين جميعاً كان في حدود 54 %!
المشكلة الجوهرية تبدّت في المواد الأساسية التي تدرّس لأبنائنا الطلبة. ففي مادة اللغة الإنجليزية على سبيل المثال، كانت نسبة النجاح 42 % فقط، ومتوسط العلامات هو 43 %. أما في علوم الأرض، فنسبة النجاح 20 %، ومتوسط العلامات 34.8 %. فيما نسبة النجاح في الرياضيات 46 %. وفي الفيزياء قرابة 9 %، ومتوسط العلامات 30 %. وفي الكيمياء نسبة النجاح 24.2 %، فيما متوسط العلامات 36 %.
وبالرغم من أنّ نسبة النجاح في اللغة العربية وصلت إلى
55.2 %، وهي منخفضة بطبيعة الحال، إلاّ أنّ الحقيقة المُرّة تمثلت بمعدل العلامات، وهو تقريباً 49.8 %. أما التخصصات الأخرى، مثل تربية الطفل ومعلم مجال، فهي التي رفعت النسبة الكلية للناجحين في امتحان المستوى، وهي تخصصات ليست أساسية في التعليم العام.
المهم أنّ قيمة هذه المؤشرات المزعجة والمحزنة تتمثّل في جانبين أساسيين:
الجانب الأول، هو أنّنا أمام تقييم حقيقي لمستوى الجامعات الأردنية، بانتظار أن نعرف خريطة المتقدمين بين الجامعات الرسمية والخاصة، وإدراك حجم الانهيار في التعليم الجامعي. والأهم من هذا وذاك تحديد وتعريف طبيعة الأزمة التي تتمثّل في حلقة متكاملة ومتراكمة من الأخطاء والانهيارات التي حدثت؛ فنسبة كبيرة من المعلّمين في المدارس غير مؤهلين، بسبب قصور التعليم الجامعي وتدهوره، وهم لا يمتلكون الحدّ الأدنى من المعرفة العلمية، فضلاً عن المهارات المطلوبة في التدريس.
أما الجانب الثاني، فيتمثّل في أنّ هذا الامتحان بمثابة “نقطة تحوّل” مهمة ورئيسة؛ إذ إنّه يصحح المعايير المعتمدة والمطلوبة في تعيين المدرسين، فتصبح الكفاءة والأهلية لا الدور، ويتم تنخيل مبدئي أساسي منذ البداية، بحسب الأفضلية في العلامات، ليتم اختيار المرشحين على هذا الأساس.
على هامش المؤشرات السابقة، ثمّة صدمات أخرى محزنة ومخجلة، تتمثل إحداها في نهاية عصر الكذبة الكبيرة بأنّ مستوى التعليم العالي في الأردن متقدم ومتطور، بخاصة في المجالات العلمية؛ مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء، بينما نتائج الامتحان تقول غير ذلك تماماً!
أمّا الصدمة الأخرى، فتبدو في محاولة بعض المتقدمين للامتحان استخدام وسائل غش متعددة، مثل طلبة الثانوية العامة، كالسماعات والهواتف النقالة!
على أيّ حالة، نتائج هذا الامتحان ومؤشراته في غاية الأهمية، وتستدعي دراسة معمّقة، لأنّها تشير، أولاً، إلى حجم الجريمة التي ارتكبت بحق التعليم والوطن، خلال السنوات الماضية؛ وتؤكد، ثانياً، أنّنا بحاجة إلى ثورة حقيقية لإنقاذ مستقبل الأجيال المقبلة، وقيمها وثقافتها من الانهيار الكبير الواقع!

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.