صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أين القدوة في المجتمع الأردني؟

0

متابعة الأخبار “والنشاطات” التي يقوم بها نخبة العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الأردن، سواء الوزراء أو النواب أو الرموز المحلية أو الشخصيات الاقتصادية أمر يبعث على الإحباط الشديد. تتباين اللائحة المثيرة لهذه الأخبار والسلوكيات ما بين ممارسة العنف اللفظي تجاه الأشخاص الأقل حظوة أو ممارسة سلوكيات الفساد والإثراء غير المشروع أو سوء الإدارة للمؤسسات التي هم عليها مؤتمنين وتصل إلى تهريب مطلوب من المركز الأمني!
كثير من الكلام قيل حول تدهور منظومة القيم في المجتمع الأردني واسبابها، وهذا ما ذكرني بدراسة نشرت في العام 2009 في مصر (قبل ثورة يناير) حول تغيرات القيم في المجتمع المصري والتي أعدها مركز المعلومات ودعم القرار في رئاسة الوزراء، ومن الواضح أن أحدا في الحكومة المصرية آنذاك لم يتعامل معها بالجدية المطلوبة.
الدراسة قدمت تصورا علميا دقيقا لحالة القيم في المجتمع المصري، وهو يشبه إلى حد بعيد المجتمع الأردني في مواجهته الدائمة للآثار السلبية للانتقال من اقتصاد مركزي زراعي إلى اقتصاد سوق مفتوح وخدمات وكذلك آثار العولمة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتراجع الموارد الطبيعية وزيادة الإكتظاظ والنمو السكاني والتباين في الدخل والفجوة الكبيرة ما بين الأقلية المترفة والإغلبية التي تجهد لكسب العيش، ناهيك عن الفساد الإداري والمؤسسي في كافة القطاعات واحتكار كبار رجال الأعمال للسلع والمنتجات والخدمات الاساسية.
الدراسة المصرية راجعت القيم الاجتماعية في سياقها التاريخي. في الخمسينيات سادت قيم العدالة الاجتماعية والمساواة خاصة مع التوسع في التعليم الذي ساعد على إزالة الحواجز الفاصلة بين الطبقات الاجتماعية. تغير الحال في السبعينيات والثمانينيات. إذ اختلفت سياسة الدولة من التقييد إلى الانفتاح. ومن التدخل في شؤون الاقتصاد إلى الانفراج والحرية مما ساعد على بروز قيم الفردية والأنانية. كما برزت قنوات أخرى ساعدت على حدة الصعود والهبوط للطبقات الاجتماعية. فظهرت الشركات الانفتاحية والبنوك الخاصة ومكاتب التصدير والاستيراد، والمكاتب الاستشارية الأجنبية. وأصبح العمل في خدمة كل ما هو أجنبي طموحا وتميزا، ليس فقط على المستوى الرسمي (من قبل الدولة) بل أيضا على مستوى الثقافة الشعبية.
ولكن المشكلة الأكبر كانت في فترة نهاية التسعينات وبداية الألفية الجديدة حيث حدد البحث متغيرات في القيم والسلوك أهمها انتفاء قيمة الخير والحب. إذ أصبح الخير والسعي إليه والعمل على تحقيقه سواء للذات أو للآخرين من الأمور النادرة، وكذلك تراجعت قيمة الإحساس بالأمان والطمأنينة وغابت قيمة العدالة وتراجعت قيم العلم وحدث إزدراء للغة العربية. بالإضافة إلى ذلك حدث تراجع في قيمة الأسرة التي أصبحت تواجه خطر التفكك، في ظل غياب التراحم، وزيادة مؤشرات الفردية والأنانية والاستغراق في المظهرية والتطلعات الشخصية كما تراجعت قيمة الإنتماء للوطن.
أهم التغيرات التي رصدها التقرير في رأيي الخاص هي تراجع القدوة. إذ أصبح الناس يفتقدون النموذج الذي يقتدون به، خصوصا في ظل انتشار أخبار الفساد في المناصب الرسمية وكذلك في القطاع الخاص والمدني، وحتى على المستوى الاجتماعي والعائلي فقد أصبحت قيم الفهلوة والكسب السريع والفخر بالمال بغض النظر عن مصدره سواء كان شرعيا أم بالغش هي المحركات الأساسية للهوية الفردية. هنالك أيضا دعم اجتماعي واسع للفساد والفهلوة فالمسؤول الذي يفيد اقاربه واصدقائه يقال أن “فيه الخير” بينما المسؤول الذي يلتزم بقيم الإدارة والإنصاف ومنع المحاباة والواسطات يوصف بأنه “ضعيف” اي “مش قد حاله ولا يخدم أهله”.
لماذا تتوقعون من الشباب أن يلتزموا بأية قيم في المجتمع إذا كان الأهل والاسرة والعشيرة والشخصيات المهمة في المجتمع والسياسيين والاقتصاديين لا يقدمون لهم قدوة. الرسالة الأساسية التي يتلقاها الشاب في المجتمع الأردني هي أن الفهلوة وتجاوز القوانين هي الطريقة الأسرع والأضمن للوصول إلى النفوذ والنجاح والمال.
غياب القدوة هو أحد أخطر وأهم أسباب تراجع القيم الأخلاقية، وربما يكون على الإعلام دور في إظهار النماذج الإيجابية في المجتمع والتي حققت تغيرا في حالة الناس بسبب العمل والجهد النظيف والنزيه والتأكيد على أن هناك الكثير من الأشخاص الذين لا يزالوا يحتفظون بقيم الصدق والنزاهة والأمانة. والأهم من ذلك أن يكونوا في موقع صناعة القرار في المؤسسات العامة والخاصة حتى يكونوا قدوة حقيقية فيما هو إيجابي أثناء أدائهم وكذلك إيصال رسالة ثقة للمواطن مفادها أن من يكون نزيها ونشيطا يمكن أن يحصل على موقع إداري ولن يستمر في دفع ثمن نزاهته، كما هو معظم الحال في بلادنا!!

الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.