صحيفة الكترونية اردنية شاملة

فضيحتنا في المعايير المزدوجة

0

حوالي 40 ألف من أبناء الطائفة اليزيدية محاصرين في الجبال الشمالية العراقية وسط الجفاف والجوع والحر تطاردهم عصابات الدولة الإسلامية التي تحقق انتصارات عسكرية مذهلة ليس فقط على جيش المالكي المتهالك بل ايضا على مقاتلي البشمركة الأكراد المدربين. هذه الجريمة في حق اليزيديين تحدث بعد اسابيع من تهجير المسيحيين من الموصل لأول مرة منذ 1600 سنة وكلا الجريمتين تتضمن الكثير من عمليات القتل والترويع بحق الآمنين. رد فعل التنظيمات السياسية العربية خاصة الإسلامية منها كان التجاهل التام، وفي الصحف الأردنية مثلا لم نجد كتابات ضد هذه الجريمة إلا بضعة مقالات من زملاء من المسيحيين كتبوها على استحياء تجنبا لردود فعل غاضبة.

هذا السكوت والصمت مثير جدا للإزعاج لأنه يعطي إشارة وكأن ما يحدث ليس مشكلة تستدعي التعليق والرفض أو أنه حادث “عرضي” لا يستحق التركيز والاهتمام. ما يحدث في العراق حاليا هو أعلى درجات الهمجية والتي في حال تم السكوت عنها سوف تمتد وتصل إلى ابواب بيوتنا، وهي أخطر من فيروس إيبولا الذي تنادى العالم كله لمواجهته في حملة طوارئ عالمية.

في العام 1990 استخدم السياسي العراقي الذكي طارق عزيز مصطلح “المعايير المزدوجة” لوصف السياسات الأميركية التي تطالب بتطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن الانسحاب العراقي من الكويت وتتغاضى عن قرارات نفس الجهة حول الانسحاب الإسرائيلي من فلسطين. وقد استمتعنا جميعا بهذا المصطلح، وبدأنا بتكرار جملة “المعايير المزدوجة” في وصف السياسات الأميركية ولكننا نسينا أن هذا المصطلح ينطبق تماما على أفكارنا وقناعاتنا وتوجهات السياسة العربية الرسمية والشعبية معا.

الأنظمة والحكومات والأحزاب والنقابات ووسائل الإعلام العربية كلها تستخدم المعايير المزدوجة، فنحن نواصل انتقاد الجرائم التي ترتكبها جهات خارجية ضد المسلمين ولكننا نتجاهل تماما الجرائم التي ترتكبها بعض الجهات العربية وتلك التي تحمل راية الإسلام بل نقوم أحيانا بتبرير هذه الجرائم، كما يحدث في العراق حاليا.

نفس المنطق نجده عند الحديث عن العنف بين النظام والمعارضة في الكثير من الحالات، وبالتحديد لدى زملاءنا الإسلاميين في كل الدول العربية الذين يغضبون كثيرا نتيجة إلقاء القبض على مجموعات من الإسلاميين أو قيام أجهزة الدول بمواجهة التنظيمات المسلحة ويدعون إلى احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن زملاءنا يصمتون تماما عند ارتكاب هذه التنظيمات لعمليات إرهابية يسقط نتيجتها أبرياء وإذا ما قاموا بالتعليق يقولون بأن الأنظمة ارتكبت هذه الجرائم كي يتهم الإسلاميون بها أو أن الصهيونية العالمية هي التي قامت بذلك!!

ونفس الشيء ينطبق على اليساريين والقوميين والعلمانيين الذين يطالبون بتطبيق الديمقراطية وحقوق الإنسان والرأي الآخر ليتمتعوا بها ولكنهم يصمتون لدى تعرض بعض الأحزاب والتنظيمات الإسلامية السياسية لعمليات تصفية وقمع من الأنظمة كما يقومون بتقديم الدعم المتواصل للأنظمة القمعية التي تقصف شعوبها بالصواريخ والقنابل تحت شعار الممانعة، وكأن الرأي الآخر ليس حقا لمن يخالفونهم في الرأي.

موقف الكثير من المثقفين العرب والأردنيين من الديمقراطية يندرج أيضا ضمن المعايير المزدوجة. الكل يطالب بتحقيق الديمقراطية لنفسه ورأيه، وفي بلده وينتقد أقل أنواع انتهاك حريات الرأي، ولكن الكثير من هؤلاء يصطفون بقوة إلى جانب أنظمة وحكومات دكتاتورية عربية بحجة حمايتها من الضغوطات والمؤامرات الأميركية والإسرائيلية سواء الحقيقية منها أو الوهمية.

يجب أن نعترف بأننا نمارس أسوأ أنواع ازدواجية المعايير، لأننا نهرع دائما للتنديد بكل الجرائم التي يتم ارتكابها ضدنا كعرب ومسلمين من قبل قوات خارجية ومعادية لكننا نصمت أو حتى نبرر قيام تنظيمات متطرفة أو أنظمة قمعية بقتل الابرياء وبطرق وحشية وبأعداد كبيرة لأن هنالك “هدفا أكبر” يجب الدفاع عنه.

الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.