صحيفة الكترونية اردنية شاملة

السياسة التعليمية الفاشلة تدق ناقوس الخطر

0

كشف وزير التربية والتعليم محمد ذنيبات من خلال نتائج امتحان الدراسة الثانوية ( التوجيهي ) لهذا العام ، فشل السياسة التعليمية التي اختطتها الحكومات الأردنية خلال العقدين الماضيين . وقد أظهرت هذه النتيجة بعد أعوام طويلة من المعاناة التي واجهها أهالي الطلبة معنويا وماديا ، أن نسبة النجاح العامة للطلاب في مختلف مدارس المملكة هي بحدود 40 % .
وهذه النسبة المتدنية تعبر عن مستوى التحصيل العلمي الحقيقي للطلاب ، بعيدا عن الغش والتزييف والنتائج المظللة التي كانت تُمارس في الأعوام الماضية . ولا شك بأنها نتائج صادمة ليس لأهالي الطلاب فحسب ، بل لكل مواطن أردني ينتظر بناء جيل مثقف وفاعل في بلده . إنها مأساة وطنية تتمثل في عدم نجاح طالب واحد في 342 مدرسة حكومية وخاصة ، منها 228 مدرسة في العاصمة عمان و 114 مدرسة في باقي مدن المملكة . كنت أتوقع على ضوء هذه النتيجة أن تعلن الحكومة الحداد ليوم واحد على الأقل في مؤسسات التربية والتعليم ، تعبيرا عن انحدار مستوى التعليم بين أبناء الوطن جيل المستقبل .
من المعروف أن الأمم تحقق رقيها بالعلم ، من خلال تطبيق استراتيجيات علمية مدروسة ، تشمل كافة المساقات التعليمية ، فتبني جيلا متنورا يضع الدولة في مكانها اللائق بين الأمم المتقدمة . وبالمقابل فإن الأمم تتخلف عن ركب الحضارة والتقدم ، نتيجة لتردي مستوى التعليم بين أبنائها والجنوح إلى تجهيلهم من خلال التغاضي عن السلبيات وتجنب مواجهة الحقائق المرّة ، بل اللجوء لتغطيتها بنتائج وهمية تضر بالمجتمع وبالطلاب أنفسهم ، وتُفقد الدولة احترامها من قبل الآخرين .
هناك نماذج من الدول التي كانت أكثر تخلفا منا في العقود الماضية ، ولكنها استطاعت من خلال اتباع برامج تعليمية بنّاءة وجادة ، أن تنهض وتصبح في طليعة الدول المتقدمة اقتصاديا وعلميا في فترة لا تزيد على عقدين من الزمن . ومن أبرز الأمثلة على ذلك النهضة الاقتصادية في كوريا الجنوبية وفي ماليزيا ، والتي نُفذت ابتداء من النصف الثاني للقرن الماضي ، ووضعت دولتيهما في طليعة دول العالم المتقدمة اقتصاديا حتى الآن ، بفضل رجال أخلصوا لأوطانهم وحققوا ما هدفوا إليه .
وفي نظرة فاحصة لوضعنا في الأردن ، نجد أن لدينا وزارتان إحداهما وزارة التربية والتعليم والثانية وزارة التعليم العالي ، وكلاهما خاليتان من المضمون تماما ، ولم تحققا تربية أو تعليما متوسطا أو ثانويا أوعاليا في هذا البلد خلال العقدين الأخيرين . فعلى صعيد التربية أصبحت المدارس والجامعات الحكومية والخاصة مسرحا للعصبيات القبلية ، ونشوب المشاجرات ، والاعتداء على المعلمين ، وحمل الأسلحة النارية ، والإضرابات الطلابية ، وغيرها من المسالك السيئة . وأما على صعيد التعليم فقد ابتعدت المناهج عن التربية الوطنية ، ودراسة المناهج التعليمية بصورة جادة ، واعتماد الحفظ ( البصم ) الذي لا ينفع الطالب بعد تخرجه في حياته العملية بدلا من الفهم والتحليل .

وعند العودة إلى سياسة التعليم في المملكة ، نجد أن إحدى الحكومات الأردنية السابقة قد أقرت الرؤية والرسالة الوطنية لإصلاح التعليم في عام 2002 من خلال وثيقتين هما : ” رؤية الأردن 2002 ” و ” منتدى الرؤية 2002 لمستقبل التعليم ” . تعالج هاتان الوثيقتان التعليم من رياض الأطفال وتمتد إلى التعليم المستمر مدى الحياة . وأدرجت هذه الاستراتيجية في خطة التحول الاقتصادي والاجتماعي ، وخطة التعليم للأعوام 2003 ـ 2008 .
وفي عام 2003 أطلقت الحكومة الأردنية أيضا برنامجا طموحا في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ، بعنوان ” إصلاح التعليم من أجل الاقتصاد القائم على المعرفة ” يمتد في مرحلته الأولى عشر سنوات . وهو برنامج متعدد المانحين قدم البنك الدولي دعما له بمبلغ 120 مليون دولار أمريكي ، بهدف تحسين بيئة التعليم في المدارس وتشجيع التعليم في سنوات الطفولة المبكرة . أما المرحلة الثانية من ذلك البرنامج فتمتد من عام 2009 ـ 2015 ، بهدف تعزيز الإصلاحات التي طبقت في المرحلة الأولى وإضفاء الطابع المؤسسي عليها ، مع تركيز خاص على التنفيذ في مستوى المدارس وكفاءة المعلمين .
والآن وبعد مرور كل هذه السنوات وما تضمنته من برامج تخطيطية معلنة يحق لنا أن نتساءل : ما هي النتائج التي جنيناها من تلك الخطط التي تبنتها الحكومات السابقة في استراتيجيتها التعليمية ؟ الجواب هو ما نحصده حاليا من فشل ذريع في تلك الاستراتيجيات النظرية ، والتي تشهد عليها نتائج التوجيهي لهذا العام وعدم تأهيل المعلمين ، وما نلمسه من تراجع في المستوى العلمي لدى الطلاب في مختلف المراحل الدراسية ، مضافا إليه سوء التربية والسلوك ، الذي يتحلى به طلاب المدارس والجامعات على حد سواء . إن ما وصلنا إليه من نتائج مؤسفة لا يتحملها وزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي الحاليين ، بل يتحملها جميع الوزراء السابقون الذين تعاقبوا على هاتين الوزارتين في العقدين الماضيين .
هذا الفشل بأداء الحكومات الأردنية في أحد أهم مناحي الحياة العلمية والاجتماعية ، يجب ان يدق ناقوس الخطر بقوة على مسامع المسؤولين ، ويدفعهم للقيام بثورة أكاديمية تلقي جانبا الخطط الوهمية السابقة التي أضرت بالوطن ، وتعيد بناء استراتيجية تعليمية جديدة تجاري روح العصر وتعود بالنفع على الوطن وأبنائه . ومن الأهمية بمكان أن يعتمد التخطيط المستقبلي على أكاديميين ذوي خبرة في هذا المجال ، يراعي بناء جيل المستقبل بكل متطلباته التربوية والتعليمية والتأهيلية ، لكلا طرفي المعادلة المعلم والطالب في آن واحد .
وإن كان لي أن أضع بين يدي المخططين بعض ما أفكر به في هذا المجال ، فإنني أقترح التواصي العامة التالية :
1. إعادة النظر بجميع المناهج التربوية والتعليمية ، ابتداء من الدراسة في الصفوف الدنيا وانتهاء بالدراسات العليا ، تؤكد على التمسك بالثوابت والفضائل وتحمل بين طياتها توجهات وطنية ، وسياسات ثابتة لا تتغير بتغير الوزراء .
2. اعتماد التحليل والفهم لمعظم المواد الدراسية ، أكثر منه الاعتماد على حفظ المواد التي لا تفيد الطالب بعد تخرجه وانخراطه بالحياة العملية .

3. رفع سويّة المعلم ومكانته في المجتمع ، لكونه باني أجيال وحامل رسالة وطنية ، ومنحه راتبا مجزيا يسد احتياجاته المعيشية ، ويغنيه في البحث عن عمل آخر على حساب مهمته الأساسية . وفي هذا السياق فقد سألت زميلا لي بإحدى دوراتي العسكرية في بريطانيا ، عمن يتقاضى أعلى راتب من موظفي الحكومة في بلاده . فأجابني بأن الجيش والمعلمين هم من يتقاضون أعلى راتب ، لأن الأول يحمي الوطن والثاني يصنع جيل المستقبل .
4. وضع شروط محددة لمن يعمل بهذه المهنة المقدسة ، وإجراء تنافس في اختيار المعلمين الذين سينضمون إلى قطاع التعليم ، بحيث يكونوا من صفوة المجتمع لكي يشكلوا القدوة الحسنة لطلابهم .
5. العمل على تأهيل المعلم قبل ممارسته العمل ، وعدم السماح لأي معلم بتدريس طلاب الصفوف الابتدائية ، إلا من كان يحمل الشهادة الجامعية واجتاز دورة ” تأهيل المعلمين ” لمدة لا تقل عن سنتين ، يتلقى خلالها اساليب التدريس الحديثة ، وكيفية بناء الشخصية والثقة بالنفس لدى الطالب ، واعتماد التفكير والتحليل للمواضيع الدراسية منذ الصغر .
6. أن لا يُعين مديرا لمدرسة إلا من تجاوزن خدمته 15 عاما في حقل التدريس ، على أن يشارك في دورة خاصة تتعلق بالإدارة المدرسية .
7. شمول طلاب الصفوف الابتدائية بالفحوصات المجدولة ، لجعلهم يهتمون بدروسهم وفرز الطالب المجتهد عن الطالب البليد منذ الصغر لإعطاء الأخير عناية خاصة .
8. اعتماد المرحلة الثانوية المتوسطة كمرحلة تحول إلى التخصصات المرغوبة من قبل الطلاب ، حسب ميولهم وقدراتهم الدراسية سواء كانت أكاديمية أو مهنية .
9. إجراء المنافسات بين المدارس على مستوى المحافظة وعلى مستوى المملكة ، ومنح الجوائز التقديرية للمدارس المتميزة ومحاسبة المدارس المقصرة .
10. إيجاد هيئة مفتشين موسّعة من كبار الأساتذة في الوزارة ، ليقوموا بتفتيشات مفاجئة على المدارس والتأكد بأن الخطة التعليمية تطبق بصورة دقيقة .
11. السيطرة على المدارس الخاصة والجامعات الأهلية ومنعها من استغلال العملية التعليمية ، بأساليب تجارية مجحفة تفرضها على الطلاب وأولياء أمورهم دون وجه حق .
في الختام أتوجه بالشكر إلى معالي وزير التربية والتعليم السيد محمد ذنيبات ، الذي أثبت أمانته وصدقه مع أهله ووطنه ، وكشف لهم الحقيقة المرة في نتائج امتحانات التوجيهي دون خداع أوسعي لشعبية رخيصة . وهذا الأداء الذي قدمه معاليه يستحق الإجلال والتقدير من كل مواطن أردني ، واعتباره وساما يزين صدر الوزير خلال مسيرته الوظيفية وما بعدها ، كمواطن شريف أدى واجبه بإخلاص وأمانة تجاه وطنه وأمته .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.