صحيفة الكترونية اردنية شاملة

لقطات سـريعة من العدوان على غزة وردود الفعل

0

لا أهم في قراءة العدوان على قطاع غزة من البعد الملحمي الذي سجلته المقاومة، وفي مقدمتها كتائب القسام، ليس في إثباتها للقاصي والداني بأنها لم تكن نائمة على حرير التهدئة طوال السنوات الماضية، كما ينام هجاؤوها على حرير التنسيق الأمني وبطاقات الفي آي بي التي يمنحهم إياها الاحتلال.
كانت تصل الليل بالنهار من أجل صناعة قوة عسكرية تتصدى للمحتل، وما هذه الأسلحة والأنفاق سوى دليل صارخ على ما كانت تفعله، أما الذي لا يقل أهمية عن ذلك، فيتمثل في صناعة الأبطال الذين يقبلون على الشهادة والتضحية، وقد برز هؤلاء في الجزء الأول من العدوان بإصرارهم على تحدي جبروت الاحتلال وطائراته التي تملأ سماء قطاع غزة، ثم كانوا أكثر عطاءً واقتدارا بتصديهم لمحاولات التوغل البري، إذ سجلوا بطولات ولا أروع في التصدي للعدو، وفي ضربه في كل مكان من كل جانب.
إنهم يسجلون ملحمة عزة وبطولة تثير الفخر في نفوس العرب والمسلمين، وكل أحرار العالم، وهذا يدخلنا إلى لقطة ثانية من لقطات الحرب تتمثل في هذا التفاعل الاستثنائي، بخاصة في العواصم العربية وغير العربية التي خرج الناس فيها بمئات الآلاف ينصرون الأبطال المقاومين والمستضعفين من أبناء قطاع غزة، فضلا عن مواقف رسمية مميزة من دول أمريكا اللاتينية وجنوب إفريقيا، وحتى السويد.
هذا التفاعل الرائع، يصفع أناسا من بني جلدتنا سعوا بكل ما أتوا من قوة، وبضوء أخضر من السياسيين إلى شيطنة المقاومة واتهامها بالمغامرة بدماء الناس، فيما هي تقاوم وتقدم التضحيات من أجل كرامة الشعب وإصراره على التمسك بقضيته، رافضا لمبدأ الاستسلام لعدوه، كما يفعل الأدعياء الذين يزعمون التمسك بالثوابت، ولا يقدمون أي دليل مقنع على ذلك، اللهم سوى البقاء تحت عباءة عدوهم، فيما يعرف كل شرفاء العالم أنه ما من محتل تراجع إلا بعد أن أصبح احتلاله مكلفا على مختلف الأصعدة.
العواصم والمدن العربية لم تكن أقل تفاعلا مع الأبطال في قطاع غزة، وهي نصرتهم بكل قوة رغم ما يمكن أن يقال عن ضعف هذه النصرة، ونحن على ثقة أنه لو كانت الحدود مفتوحة والحاجة ماسّة للرجال لتدفقت الجحافل من الشبان للمساهة في المعركة، فهنا تحديدا في فلسطين لا ترتبك البوصلة أبدا وتجمع الغالبية الساحقة عليها باستثناء الأدعياء والمتصهينين، وبعض المهزومين.
هذا التفاعل مع قضية غزة هو الذي أربك مواقف الكثير من الأنظمة، وجعلها تتسامح مع فعاليات التضامن، رغم أن أكثر تلك الأنظمة قد ذهب سياسيا نحو دعم المبادرة المصرية التي شكرها العدو، وكانت تتضامن معه أكثر من إرادتها حق الدماء الفلسطينية كما زعمت.
في السياق ذاته برزت فضائح كثير من النخب العربية، بما فيها قومية ويسارية وقفت تتفرج على مشهد البطولة والدماء في قطاع غزة انطلاقا من مواقف حزبية بائسة لها صلة ببشار الأسد، وهي نخب طالما بشّرت بأن حماس تركت المقاومة وانحازت إلى محور الانبطاح، لكن الحقيقة ظهرت ماثلة أمام الأعين.
من مشاهد العدوان ذلك الارتباك في صفوف العدو، فالمجتمع الإسرائيلي لم يعد ذلك المجتمع العقائدي القديم، بل هو مجتمع استهلاكي لا ينتج مقاتلا حقيقيا، بل ينتج أبناءَ يذهبون إلى الجيش بحثا عن الامتيازات، ويخشون الاشتباك المباشر لأنهم لا يريدون الموت. أما المقاتل الفلسطيني فكان في قمة بطولته وعنفوانه.
كثيرة هي الأبعاد التي يمكن الحديث عنها، لكننا نختم بالقول إن هذه المعركة ليست معركة حماس ولا معركة قطاع غزة، إنها معركة شعب فلسطين في تصديه لمساعي فرض الاستسلام عليه، وهي معركة الأمة ضد من يعملون ليل نهار لأجل الحيلولة دون حصولها على حريتها، وتحررها من الهيمنة الخارجية، ومن يقف في هذا المعسكر من شعب فلسطين يعلمون ذلك. أما من وقفوا في مربع الحزبية ونصرة عباس على باطله، فلن ينسى لهم التاريخ ذلك.

الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.