صحيفة الكترونية اردنية شاملة

‘قصة التحرش’.. غير المفهومة!

0

آخر ما كنّا نتوقعه أو نتصوّره، أردنياً، هو ذلك المقطع من فيديو يُظهر ما يُعتقد أنّه حالة تحرّش جماعي شارك فيها عشرات الأشخاص في مدينة إربد بفتاة أو فتاتين، عقب المباراة النهائية لكأس العالم، بينما كان ملاحظاً تأخر رجال الشرطة الموجودين في هذا الموقع الحيوي، في التدخّل!
ما يزال المشهد غامضاً وغير مفهوم. فمن المعروف أنّ جامعة اليرموك تقع في قلب إربد، وكذلك حال جامعة العلوم والتكنولوجيا التي تقع على مقربة منها. وهي مدينة منفتحة، لا تجد الفتيات والسيدات أي مشكلة أو قلق على أمنهن وسلامتهن الشخصية، في الليل، كما هي الحال في عمان؛ فما الذي دفع بهذا العدد الكبير من الشباب إلى ما يشتبه أنه تحرّش بتلك الفتاة (أو الفتاتين)؟ ما يزال الأمر غير مفهوم وليس منطقياً!
بالضرورة، ما نزال نتطلع إلى توضيح من المؤسسات والأجهزة المعنية، يضعنا في رواية هذه الحادثة، وسرّ التأخر الواضح (كما يُظهر الفيديو) في تدخل رجال الأمن المتواجدين أصلاً في المكان، بخاصة أنّ مقطع الفيديو انتشر بصورة فلكية خلال الساعات القليلة الماضية، وأصبح حديث شريحة واسعة من الشارع الأردني.
صحيح أنّه توجد حالات تحرش واعتداء جنسي في مجتمعاتنا، مثل باقي المجتمعات في العالم، لكن مثل مشهد إربد الأخير، أي ملاحقة العشرات لفتاة للتحرّش بها (ما لم يكن هنالك تفسيرٌ آخر)، هو الغريب والمستغرب والمقلق، بل ويضرب على عصب حسّاس، ويعكس هاجساً شعبياً محمّلا بالصورة الرهيبة لما يحدث في مصر من عمليات تحرّش جماعي، وصلت إلى حدّ من التوحّش والسقوط الأخلاقي غير المسبوق في ذاكرة الأجيال العربية!
هذه الحادثة فريدة استثنائية؛ فما تزال المسافة واسعة وكبيرة بين ما وصلت إليه مجتمعات أخرى من تحولات اجتماعية وظواهر مرتبطة بالفقر والحرمان والجوع وأطفال الشوارع والفلتان الأمني، وبين الأوضاع المحلية. لكن، في المقابل، لن يمرّ المجتمع الأردني على هذه الحادثة مرور الكرام، من دون أن يقرع جرس الخطر والإنذار والتحذير، حتى لا تتكرر في المستقبل. وهذا يتطلب رسالة قوية وصريحة واستباقية من السلطات، فمجرد تكرارها لمرّة ثانية يعني إشارات جديدة للمجتمع والمواطنين بأنّنا نسير في السيناريو المرعب!
ربما هذا هو الذي يقودنا إلى سبب الاهتمام الشعبي الكبير بهذا المقطع، وما أثاره من هواجس؛ إذ جاء متزامناً مع تصاعد حالة القلق الشعبية من تحولات وظواهر متواصلة لا تبشّر بالخير، من انتشار العنف الجامعي والاجتماعي، واستخدام السلاح على أوسع نطاق، وحالة التوتر الاجتماعي الملحوظة، وصعود التيار المتشدد، وأرقام مقلقة حول انتشار المخدرات والتنمّر على القانون وغيرها من ظواهر، بتنا نكرر الحديث عنها في المقالات فقط لسبب واحد يتمثل في ضرورة الوقوف مليّاً عندها والتفكير في دلالاتها وتداعياتها، ليس فقط من قبل السلطة، بل ومن قبل المجتمع والفئات المثقفة والواعية فيه.
مثلما قلنا، لا يجوز المبالغة بالقلق، فالأوضاع لدينا لم تصل إلى ما وصلت إليه مجتمعات أخرى. لكن حالة الإنكار ورمي الرأس في الرمال، والتخوين والتحريض على كل من يبدي قلقه من هذه المؤشرات، هي الفلسفة السلبية التي لن تساعدنا على رؤية الخطر ومواجهته، وهي التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة المتقدمة من “الأمراض الوطنية”!

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.