صحيفة الكترونية اردنية شاملة

رحيل المالكي لن يحل الأزمة في العراق

0

الإدارة الأميركية على وشك التخلي، علنا ورسميا، عن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي؛ في الغرف المغلقة، وفي الاتصالات التي تجريها مع قيادات عراقية من معسكره، قالت ذلك بوضوح. وفي التصريحات الصحفية حول الأوضاع في العراق، حمّل جميع المسؤولين في إدارة الرئيس باراك أوباما، بمن فيهم الرئيس نفسه، المالكي المسؤولية عما يجري في العراق. باختصار، المالكي صار جزءا من المشكلة وليس الحل، ويجب أن يرحل.
الرسالة الأميركية وصلت للتحالف الشيعي العريض في العراق، ولإيران أيضا. ومنذ يوم أمس، شرع أركان “البيت الشيعي” في إجراء مشاورات مكثفة لاختيار المرشح البديل للمالكي. وصرح مقربون من قيادات عراقية أن المرشح الأوفر حظاً هو أحمد الجلبي!
لكن التوافق الشيعي العراقي حوله ليس كافيا؛ ينبغي الحصول على موافقة زعماء السنة والأكراد، وكذلك إيران. أما في واشنطن، فإن الجلبي لا يتمتع بعلاقة طيبة مع الإدارة الديمقراطية، فقد كان محسوبا على صقور الجمهوريين في إدارة جورج بوش الابن، وقدم معلومات مضللة حينها ورطت الولايات المتحدة في حرب خاسرة في العراق.
والعراق أصبح مثل لبنان تقريبا؛ فلكي تضمن وصول رئيس جديد للسلطة، يتعين أخذ مواقف دول إقليمية في الاعتبار. السعودية مثلا، والتي تتخذ موقفا حادا من المالكي، دخلت على خط المشاورات الأميركية-الإيرانية مبكرا، ولا يُعرف إن كانت ستدعم ترشيح الجلبي أم لا. ليس للأردن دور مؤثر في الاتصالات الجارية، لكن مجرد طرح اسم الجلبي يعني الكثير. إذ كما هو معروف، فإن الجلبي محكوم غيابيا بالسجن في الأردن في قضية بنك البتراء الشهيرة، وعلاقاته مع عمان مقطوعة تماما، ولا يدّخر مناسبة إلا ويكيل الاتهامات للأردن؛ فكيف ستكون طبيعة العلاقات بين البلدين في حال تولى الجلبي رئاسة الحكومة العراقية؟
ربما يكون السؤال مبكرا بعض الشيء، والأهم منه حاليا: هل تغيير رئيس الوزراء في العراق يكفي لتجنب حرب طائفية واحتواء التمرد السني، ودحر تنظيم “داعش” الذي بات يسيطر على مدن رئيسة في العراق؟
الجواب هو لا بالطبع. إن مبدأ التعايش بين المكونات الطائفية في العراق على وشك الانهيار الكلي. سنوات المالكي خلفت ندوبا عميقة في المجتمع العراقي، لا يمكن إزالتها بزوال المالكي فقط.
العراق يحتاج إلى عملية سياسية شاملة وعميقة، تتجاوز منطق المحاصصة الطائفية الذي حكم معادلة الحكم منذ الغزو الأميركي.
المؤكد أن السنة العراقيين بعد “عملية الموصل” ليسوا السنة قبلها؛ شروط اللعبة السياسية تبدلت، ولن يقبلوا بالمعادلة السابقة للحكم. وقبل أن يحققوا شروطا أفضل للشراكة في الحكم، لن يكونوا مستعدين للتنازل عن سيطرتهم على مدن عراقية، أو الانخراط في الحرب على “داعش”. الأكراد لهم مطالب أيضا، وهذه لحظتهم التاريخية؛ كركوك صارت في قبضتهم، وإقليم كردستان يقترب من الانفصال. لن يعودوا إلى الوراء خطوة بنفس الشروط القديمة؛ لديهم قائمة طويلة من المطالب، إذا لم تتحقق، فإنهم لن يعودوا إلى البيت العراقي الواحد.
أزمة العراق أكبر من المالكي، والوصفات المقترحة للحل تجاوزتها التطورات. الولايات المتحدة تعلم ذلك، لكن بسبب عجزها عن فرض مقاربة جديدة، فإنها تحاول جاهدة إدارة الصراع بحلول مؤقتة، تحقق أهدافا آنية ملحة للأمن القومي الأميركي، من دون الغوص في عمق المشكلة.
الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.