صحيفة الكترونية اردنية شاملة

داعشتان وامريكان وايران! إلى أين يمضي العراق؟

0

وكيف نقرأ المشهد العراقي الذي انقلب بين ليلة وضحاها؟ انهار الجيش الذي كلفت عملية إعادة بنائه مليارات الدولارات، وانفتحت أبواب جحيم الحرب الطائفية السنية- الشيعية على مصراعيها.
نوري المالكي وجماعة حزب الدعوة يتحملون المسؤولية الأساسية عن هذا الانهيار المزري، الذي يأخذ العراق ومعه المنطقة الى مجهول الإنحطاط.
السيد المالكي ومن لفّ لفّه عادوا الى العراق على ظهور الدبابات الأمريكية، طربوا للقصف الهمجي الذي تعرضت له بلادهم، ثمّ حين استولوا على الحكم اداروا البلاد بصفتها مزرعة للطائفية والفساد. مزج المالكي بين استبداد صدّام حسين وعمالة نوري السعيد، معتقدا أن الطائفية الفجة والمعلنة، ونقل البارودة من الكتف الأمريكي الى الكتف الإيراني تعطيه حصانة التحكّم بالبلاد والعباد، وتسمح له بأن يحوّل ثروات العراق الهائلة الى ملعب للإفساد والنهب.
وعندما انقلب المشهد في نينوى، وتهاوى الجيش المصنوع من ميليشيات طائفية امام داعش والعشائر والمجموعات البعثية والاسلامية، انكشف المستور. فهذه الطغمة الطائفية تصرفت مثلما خطط له الأمريكان حين قرروا إعادة العراق الى العصر الحجري!
المالكي ولفيفه الذين جاءوا بإسم الديموقراطية واجتثاث البعث صاروا بين ليلة وضحاها حلفاء البعث السوري الذي استأسد على شعبه، وقام من دون «جميلة» الأمريكان بإعادة سوريا الى العصر الحجري. ولم يكن موقف المالكي الا صدى للموقف الايراني، ورجعا للهستيريا الطائفية التي اعتقدت أنها تستطيع حماية البعث السوري بشعارات الممانعة والدفاع عن المقدسات الشيعية!
تعامل المالكي مع الاعتصامات الشعبية في العراق مثلما تعامل الأسد مع المظاهرات في سوريا، فكانت النتيجة تواطوءا غرائبيا بين النظامين لعب على الوتر الطائفي، وفتح ابواب المنطقة لإيقاظ الوحش الداعشي عبر الدعم الذي تلقاه الأصوليون من دول الخليج الاستبدادية، التي رأت في المقتلة السورية فرصتها للإنتقام من اعدائها الإيرانيين ومن حلم الشعوب في الحرية في آن معاً.
لم تكتف هذه الحماقة بإيقاظ الوحش الطائفي، بل انها سمحت أيضاً للاستبداد الصدّامي بالاستيقاظ من سباته، وبهذا تؤخذ المنطقة الى التفتت الشامل، منذرة بحروب سيخرج منها الجميع مهزوماً.
بدأت الحكاية باجتماع عاملين: الغزو الأمريكي من جهة، والاستبداد من جهة أخرى. الوحش الطائفي الذي يجول اليوم بحرية في شوارع المدن العراقية بدأ يوم استولت «طليعة» مؤلفة من حثالة الفكر القومي على السلطة. حولت هذه الحثالة شعبوية الناصرية وهزيمتها العسكرية عام 67 الى ديكتاتورية وحشية استغلت الجهوية والعشائرية والطائفية كي تحكم وتتحكم، وانتجت مجموعة من الوحوش حولت مدن العرب الى مقابر. من قذاف الدم في ليبيا الى صدام في العراق الى السلالة الأسدية في سوريا الى السادات ومبارك في مصر الى زين العابدين في تونس الى آخره…
كأن هذا المستنقع الاستبدادي لم يكن كافيا، فجاءنا رئيس أمريكي أحمق صوّر له خياله المريض أن الله يأمره بغزو العالم، فذهب الى مغامرته الدموية في العراق بخفة من لا يعي نتائج أعماله، فحطّم ما تبقى من الدولة العراقية، ولم يكن امام الأمريكيين بعد ذلك سوى تسليم العراق الى ايران كي يؤمنوا لجيشهم خروجاً آمناً.
لكن القصة لم تنته هنا، فالإيرانيون وحليفهم حزب الدعوة قاموا بتسعير المرض الطائفي، فالنفوذ الإيراني الذي خيّل له أنه وصل الى شواطيء المتوسط يعرف أنه محكوم ببنيته الدينية الطائفية. هكذا وعلى إيقاع نجاحه في التمدد الى لبنان عبر المقاومة الإسلامية، دفع الدولة الإسلامية التقليدية اي السعودية الى أتون المعركة، واختلط حابل الأصولية الشيعية بنابل الأصولية السنية في زمن الثورات العربية، وارتفع صوت الصراع الطائفي ليغطي على حلم الانعتاق من الاستبداد ويقوم بوأد احتمالات «ربيع العرب».
ولكن ماذا ستفعل امريكا بعد ولادة دولة داعشتان؟
هل سيجد الأمريكان أنفسهم في «خندق واحد» مع ايران وحزب الله؟ وما هو موقع اسرائيل في هذا الخندق الذي لا يعلم احد كيف سيتسع لكل هؤلاء؟
أم سيحوّل الامريكان العراق الى مصيدة للإيرانيين، فتكون سوريا والعراق ما كانته افغانستان للإتحاد السوفياتي؟ اي سيدير الأمريكيون، بواسطة وكلاء محليين، حرب العراق كما يديرون اليوم حرب سوريا، جاعلين من الحرب الطائفية الطويلة وسيلتهم لاضعاف الجميع وتركيعهم؟
أم ان الأمريكان فقدوا المبادرة بشكل كامل، وهم يتصرفون على أساس ردود الأفعال، بعدما صاروا عاجزين عن احتواء المنطقة التي بقروا بطنها وأخرجوا احشاءها الى العراء؟
هذه الحمّى الطائفية التي تجتاح بلادنا، تهدد بتحويل المشرق العربي برمته الى ركام، وتنذر بحروب لا نهاية لها.
والسؤال الذي يحيرني هو الا يعي هؤلاء ماذا يفعلون؟ هل يعتقدون فعلا انهم يحملون رسائل الهية؟ وهل يعقل أن تأخذنا هذه الرسائل الى الخراب ونسيان الخطر الحقيقي الذي يتهدد بلادنا والذي يدعى اسرائيل؟
هل علينا ان نختار بين المغول والتتار وننسى الفرنجة الذين يحتلون فلسطين؟
ما هذا؟
هل فقدت العرب لغتها وعلاقتها بأرضها، كي تتحول الى ملعب لصراع آلهة الموت التي لا ترحم؟
بين داعشتان والامريكان وايران، من دون أن ننسى الوكيل السعودي- الخليجي، تغرق بلاد العرب في الخراب.
اين نحن، وأين وعينا وأين القوى المدنية الشعبية التي عليها طرد هؤلاء اللاعبين بالدم جميعا؟
أين نجد العقل يا سيدي المعري، كي تقول لكل هؤلاء السفهاء حكمتك وتطرد تجار الدين وتقول لهم انه لا عقل لهم فليذهبوا الى المصح قبل ان تصبح البلاد كلها مصحا لا شفاء فيه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.