صحيفة الكترونية اردنية شاملة

البعث السني والبعث العلوي!

0

لو كانت هنالك حياة ذكية في الكون (خارج كوكب الأرض طبعا) تتضمن مركزا للأبحاث الخاصة بمراقبة كوكب الأرض وتم الطلب من أحد الباحثين من سكان هذه الكواكب متابعة وتحليل ما يحدث في العالم العربي منذ ثلاث سنوات ستكون هذه المهمة أصعب من القدرة الذهنية لأية حياة ذكية، وربما ينتهي الأمر بهذا الباحث بالتيه في الفضاء الخارجي في حالة ذهول مطلق يتجاوز الزمان والمكان.

حسب ما نراه الآن في العراق وسوريا فإن التنظيمات البعثية في العراق والتي تمثل بقايا نظام صدام حسين تقاتل إلى جانب قوات داعش وتنظيمات أصولية أخرى للسيطرة على عدة مناطق في العراق وخاصة المحافظات السنية وتعلن حربا مفتوحة على الشيعة والذين في المقابل أحيوا كتائب القتل الطائفي التي نشطت في 2006-2008. في المقابل فإن قوات داعش في سوريا تخوض حربا شرسة ضد “النظام العلوي” المرتبط استراتيجيا ومذهبيا بإيران ولكنه نظام بعثي بالإسم. إذا البعث في سوريا يقاتل داعش وفي العراق يقاتل مع داعش. رحم الله ميشيل عفلق بغض النظر عن الدين الذي توفي عليه ولحسن حظه أنه لم يعش ليرى هذا المشهد!

تاريخ حزب البعث في العالم العربي يختصر تاريخ مأساة هذه المنطقة منذ منتصف القرن الماضي. الحزب الذي بدا بطموح توحيد الأمة العربية تحت راية اشتراكية-قومية عابرة للأديان تحول إلى حزبين واحد بهوية سنية في العراق وآخر بهوية علوية في سوريا وكلاهما يؤسسان تحالفات متناقضة إما للعودة إلى السلطة أو الحفاظ عليها. الإنقسام الكبير الذي كان سائدا ما بين بعث العراق وبعث سوريا والذي كنا نعتقد أنه على اسس ايديولوجية وفكرية وسياسية وفي الأساس شخصية تحول الآن إلى انقسام مذهل مبني على اسس طائفية.

في حرب العراق وإيران وقف البعث السوري القومي إلى جانب إيران، وفي العدوان الثلاثيني على العراق وقف البعث السوري القومي التقدمي إلى جانب التحالف الذي قادته الولايات المتحدة. البعث العراقي دعم الأخوان المسلمين في مواجهتهم للنظام السوري في بداية الثمانينات. الجهة الوحيدة التي حاولت جديا التوسط بين بعث العراق وبعث سوريا أو بالأخرى بين صدام حسين وحافظ الأسد كان الملك الذي حاول البعث في البلدين الإطاحة به لعدة سنوات وهو المرحوم الملك الحسين.

في غزو العراق 2003 وقف البعث السوري على الحياد أو رافضا لهذا الغزو على الأقل لفظيا، وبعد انهيار البعث العراقي ساهم البعث السوري في حشد الأسلحة والمقاتلين لصالح التنظيمات الأصولية التي قاومت الاحتلال الأميركي لدرجة أن المالكي نفسه صرح غاضبا متهما سوريا بدعم الإرهاب في العراق. عندما اندلعت الثورة في سوريا وقف المالكي ليدعم النظام السوري لأسباب طائفية بحتة بالرغم من “الإرهاب” الذي شجعه النظام السوري في السابق، وبات البعث العراقي أو بقاياه من المقاتلين محرومين من الإسناد اللوجستي السوري الذي استمر لثلاث سنوات استثنائية ما بين 2006-2009.

مهما حاولنا أن نتجاهل الواقع ولكنه يصدمنا في وجوهنا، فكل التحالفات التي تنشأ وتنتهي في العالم العربي بشكل عام والعراق وسوريا بشكل خاص هي لأجل السلطة فقط، وإن كان هنالك خيط رفيع يجمعها فهو التنافر الطائفي الذي أصبح اساس كل التحالفات العجيبة في المنطقة ضمن حرب يتم خوضها وتنسيقها من خارج العراق وسوريا ويدفع ثمنها يوميا الشعب السوري والعراقي بدون أن تكون له إمكانية التأثير في الأحداث بشكل ايجابي.

[email protected]

الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.