صحيفة الكترونية اردنية شاملة

صناديق التحوط تختبر ديمقراطية أمريكا

0

صنع جون بولسون ثروته من خلال الدخول في تعاملات ضخمة على المكشوف ضد فقاعة الإسكان في الولايات المتحدة. واليوم يراهن صاحب المليارات في صناديق التحوط على أن النظام السياسي في الولايات المتحدة سيفشل. في هذه المرة لديه رفاق مثله. فقد رفع أصحاب مليارات آخرون دعوى قضائية لإكراه وزارة الخزانة على أن تدفع لمساهمين مبالغ طائلة من مشاريع إسكان ترعاها الحكومة، وسبق أن تولت إنقاذها عام 2008. الرهان على سخاء واشنطن أصبح استراتيجية استثمار روتينية. وإذا نجحت هذه، يجب أن يتنبه لهذا الأمر أصحاب المليارات: إذا كنت تريد ضربة الحظ، حاول الرهان على المكشوف ضد الديمقراطية الأمريكية، المخاطرة قليلة والمكافآت مذهلة.

في عام 2008 فعلت حكومة الولايات المتحدة “كل ما يلزم” لإنقاذ الاقتصاد العالمي من تكرار ما حدث في الثلاثينيات. إنقاذ الأشخاص الذين كانوا قد تسببوا في الأزمة كان مشهدا قبيحا ساعد في إضفاء شيء من المرارة على طعم السياسة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى. لكنه كان شرا لا بد منه. كان البديل رهيبا جدا على نحو لا يمكن حتى التفكير فيه.

وكما يفعل عادة، رتب نظام الولايات المتحدة شتات نفسه ليصبح أكثر فاعلية في حالة الطوارئ. المشكلة الحقيقية هي كيف يعمل في الأوقات العادية. كان اثنان من أكبر المستفيدين من مكافحة الحرائق في واشنطن هما فاني ماي وفريدي ماك، شركتي التأمين والقروض العقارية، اللتين حصلتا على 187.5 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب للبقاء على قيد الحياة. ولولا تلك الأموال المضافة، لكان نظام تمويل الإسكان في الولايات المتحدة بأكمله قد أصيب بالتشنج – ومعه الاقتصاد العالمي، ولكانت فاني وفريدي قد انقرضتا.

بعد ست سنوات، يقوم بعض أغنى الأشخاص على هذا الكوكب بتقديم التماس إلى المحاكم لمكافأة مساهمي فاني وفريدي، لأنهما تم إنقاذهما من قبل دافعي الضرائب في الولايات المتحدة. في الأسبوع الماضي، قالت المؤسستان، وهما تحت “وصاية” الحكومة – تفصل خطوة واحدة بينها وبين التأميم – إنهما ستقدمان مجموع توزيعات أرباحهما البالغة 213 مليار دولار منذ عام 2009، التي تعتبر أعلى من خطة الإنقاذ الأصلية، إلى وزارة الخزانة.

وعلى الرغم من أن كلتا الشركتين تم إلغاء إدراجهما في البورصة، إلا أن المساهمين اشتروا أسهمهما العادية والمفضلة في السوق الرمادية ويرغبون الآن في استرداد قيمتها. وتجادل وزارة الخزانة، عن حق، بأن الأرباح لا تنطبق عليها صفة سداد عملية الإنقاذ. وعلاوة على ذلك، فإن الحكومة هي التي تتحمل الفاتورة إذا ما ذهبت سوق الإسكان في الاتجاه المعاكس. وستستمر الخسائر في أن تكون اجتماعية حتى لو كانت المكاسب تتدفق مؤقتا إلى دافعي الضرائب.

وفي الأسبوع الماضي توقع المستثمر الناشط، بيل أكمان، أن تكمل القضية طريقها إلى المحكمة العليا في الولايات المتحدة. ونظرا لسجلها الأخير، ينبغي أن يكون ذلك أقل راحة لدافعي الضرائب الأمريكيين. لكن اللعبة الحقيقية لصناديق التحوط هي وقف الكونجرس عن سن التشريعات التي من شأنها تقليص الشركتين العملاقتين وتقاسم جزء من مخاطر القروض العقارية الواسعة مع السوق الخاصة. وطالما بقيت كل من فاني وفريدي على قيد الحياة، يوجد أمل للمضاربين. وأحرزت صناديق التحوط الأسبوع الماضي نجاحا كبيرا: تم إيقاف مشروع قانون إصلاح فاني – فريدي في مجلس الشيوخ، والآن ليس من المرجح أن يتم إقراره في عام 2014. وحقيقة أن الصناديق ضغطت على المجلس بشدة هو أحد الأسباب التي تجعل مشروع القانون يجرجر أقدامه. وليس هناك ما يمنع أهل الصناديق من إنفاق أكثر من ذلك، فالعائد من ممارسة الضغط على واشنطن أرقام فلكية. إذا فازوا، فإن المضاربين سيحصلون على 33 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب. وإذا خسروا، فإن مصاريفهم كانت قطرة من دلو. وكان الإنفاق العام لجماعة الضغط في العام الماضي في واشنطن فقط، 3.2 مليار دولار – وهو مبلغ ضئيل نظرا للعوائد المتاحة.

والمخاطر المستقبلية لسوق الإسكان في الولايات المتحدة مرتفعة بما فيه الكفاية. فخلال سنوات عمرهما الذهبية قبل الانهيار، استفادت فاني وفريدي بشكل كبير بسبب اعتقاد المساهمين أنهما أكبر بكثير من أن تفشلا. وذلك ما مكنهما من الاقتراض بثمن رخيص وبأسعار قريبة من السندات السيادية، وإنتاج الأرباح الاحتكارية لمساهميهما. لقد فعلت فاني وفريدي القدر نفسه الذي يمكن أن تفعله أي شركة في وول ستريت لضمان تغطية فقاعة القروض العقارية لضعاف الملاءة في أمريكا، حتى لو لم تخترعاها. ويمكن القول إن تقليص الوكالتين يعتبر أكبر جزء من الأعمال غير المنجزة من عام 2008.

لكن جودة الديمقراطية في الولايات المتحدة هي أيضا على المحك. فإذا استطاع جبابرة صناديق التحوط أن يخضعوا اثنين من أفرع الحكومة الأمريكية الثلاثة لإرادتهم، فإنهم بذلك يقدمون سابقة خطيرة. مع ما يكفي من المال يمكنك أن تنجز أي شيء. يمكن بيع السياسة العامة في مزاد علني لمن يدفع أعلى سعر. سداد أموال صناديق الكواسر ستكون له الأولوية على دافعي الضرائب. ويرى البعض أن ذلك كان دائما على هذا النحو. انظر إلى الطريقة التي قررت فيها إدارة الأعمال التجارية الزراعية الأمريكية التقاط الجزء الأكبر من الإعانات المخصصة لصغار الزراع. أو قدرة شركات النفط الكبرى على شطب تكاليف استثماراتها. وبالمثل، فإن صناديق الأسهم الخاصة أحبطت لسنوات الجهود المبذولة لعلاج أرباحها “الفوائد المرحَّلة” على أنها دخل عادي. وكما يحب أن يشير وارن بافيت، فهو لا يزال يخضع للضريبة بمعدل أقل من سكرتيرته.

لكن النزاع على فاني وفريدي يعرض شبح تشديد خطيرا في قبضة القلة بشأن الديمقراطية الأمريكية. في السنوات القليلة الماضية ارتفعت حصة دخل الأشخاص الأغنى في الولايات المتحدة 0.1 في المائة. وفي الوقت نفسه، ألغت المحكمة العليا في الولايات المتحدة معظم القيود المتبقية على الإنفاق السياسي من قبل الشركات والأفراد الأثرياء. وهكذا أصحاب المليارات يأتون في جميع الأحوال. والديمقراطيون يرغبون في استهداف الإخوة كوتش، اللذين يمولان الكثيرين من حركة حزب الشاي. لكن الليبراليون يأخذون، فرحين، أموال شركات الأسهم الخاصة لمنع إصلاح معالجة المنافع الضريبية المرحلة.

كما هو الحال في الحياة ـ وهو نفسه في السياسة – شاهد ما يفعله المشرعون، لا ما يقولونه. يجب إصلاح فاني وفريدي، هكذا يقول المقطع المتكرر للحزبين الجمهوري والديمقراطي، لكن دعونا نر بشكل عملي إن كان هذا ما يعنيانه حقا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.