صحيفة الكترونية اردنية شاملة

هل نمزح؟!

0

وفقاً لتصريح مصدر في مؤسسة المواصفات والمقاييس (لصحيفة “المقر” الالكترونية)، فإن متنفّذين وراء محاولة إدخال شحنة من النظارات الشمسية الرخيصة (لا تتجاوز كلفة الواحدة منها دولاراً واحداً)، يبيعونها بوصفها ماركات عالمية أصلية بسعر 400 دولار للواحدة. كما أشار المصدر إلى أدوية تخفيف الوزن (التي تسبب السرطان وأمراضا مختلفة)، ومنتجات يتم تزوير بلد منشئها، وأخرى غذائية يتم التلاعب بتاريخ صلاحيتها، وصناديق إسعافات أولية فيها أدوية منتهية الصلاحية أيضا!
هذه التصريحات تطرح عشرات علامات الاستفهام والأسئلة عن حجم الاستهتار من قبل تجار ورجال أعمال، ومن ورائهم متنفذون، بالقانون والدولة والمجتمع (لا تسأل هنا عن الأخلاق!)؛ وعن مدى وجود عقوبات رادعة، ليس فقط على الصعيد القانوني، بل حتى الإعلامي والمجتمعي والمعنوي.
وإذا كانت “المواصفات والمقاييس” لا تستطيع، قانونياً وإدارياً، التصريح بأسماء هؤلاء المخالفين، فمن الواجب على الحكومة والبرلمان توفير إطار تشريعي أو إداري للتعريف بأسمائهم أمام الرأي العام. فمنذ سنوات ونحن نسمع عن قصص شبيهة مرعبة، مثل إتلاف أطنان من الأغذية والأدوية الفاسدة، وكشف عمليات تحايل لتمرير مواد غير صالحة؛ لكننا لا نسمع، في المقابل، عن العقوبات التي نالها هؤلاء، ولا عن قصص تحويلهم إلى القضاء!
مثل هذه المخالفات، التي تمّ كشفها عبر مؤسسة المواصفات والمقاييس، لا تحتمل المزاح والتراخي والوساطات، ولا ترتبط فقط بالضغط لتمرير المواد أو عدم تمريرها؛ فالتوصيف الأدق لها أنّها جرائم جماعية، عبر التزوير والتحايل والالتفاف على القانون. المطلوب ليس فقط إيقاف هذه المواد، بل تحويل من يحاولون إدخالها إلى البلاد إلى القضاء، والتشهير بهم عندما يتم الحكم عليهم.
وما لا يحتمل المزاح أكثر من ذلك، ولا يجوز أن يبقى الحديث عنه غامضاً بعد اليوم، هم أولئك المسؤولون و”المتنفّذون” (أصحاب الظل الطويل) المتورّطون في محاولة إدخال هذه المواد الخطرة، أو التوسط لإدخالها؛ فجريمة هؤلاء أكبر. ومن الواجب أيضاً أن تتم إضافة مواد قانونية لتجريم هذه الوساطات في موضوعات تخصّ هذه الجرائم، وتغليظ العقوبة على المتنفّذ والمسؤول اللذين يحاولان استغلال وظيفتهما أو مكانتهما لتمرير هذه الجرائم.
لم يعد مقبولاً أن يبقى الحديث عن “متنفذين ومسؤولين وتجار”، بل من الضروري أن يبدأ كشف الأسماء والجرائم، وعدم منح أي حصانة لهم. ويكفي أن نقرأ ونقارن ذلك بالعقوبات التي صدرت بحقّ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، بالسجن 6 أعوام بتهم الفساد وتلقي الرشاوى، أو الحكم على رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني بأربعة أعوام سجن، بسبب التهرب الضريبي، تم استبدالها بالعمل في خدمة دار مسنّين تابعة للكنيسة، على مرأى من الإعلام والرأي العام الإيطالي والعالمي!
ما تكشفه مؤسسة المواصفات والمقاييس مشكورة من مخالفات، وما تبديه من صلابة وقوة في وجه الضغوطات، يجسدان نموذجا محترما في الإدارة النظيفة الصارمة. لكن الأمر أصبح مخيفاً، ويشي بحجم الانهيار الأخلاقي والاستقواء على الدولة والمجتمع والقانون. وهو ما يدفع إلى ضرورة التفكير جديّاً في إطار من العقوبات المادية والمعنوية-الأدبية، يجعل هذه الجريمة عاراً يلاحق أصحابها من المسؤولين والمتنفذين ورجال الأعمال، ومن يتواطأ معهم من داخل الدولة.
الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.