صحيفة الكترونية اردنية شاملة

لا خروج من مأزق انتخاب الرئيس إلا بإبقاء الجلسة مفتوحة لـ’الدخان الأبيض’

0

لم يعد مقبولاً ولا معقولاً أن يبقى انتخاب رئيس للجمهورية موضوع تجاذب ومساومة وابتزاز من خلال التهديد بتعطيل النصاب، وهو وضع لم يكن موجوداً سابقاً إذ كان النواب يحضرون جلسات الانتخاب ويقترعون للمرشح الذي يريدون باستثناء مرة واحدة عندما لم تجد المعارضة ورقة في يدها سوى محاولة تعطيل نصاب الجلسة التي كانت مخصصة لانتخاب الياس سركيس المدعوم سورياً من دون سواه. وقد استطاع هذا الدعم تأمين النصاب على رغم القصف المدفعي على “فيلا منصور” التي كانت المبنى الموقت لمجلس النواب.

لقد بات مطلوباً جعل حضور النواب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية ملزماً كي لا تظل محاولة تعطيلها ورقة يهدد بها كل من لا يريد الانتخاب لسبب من الاسباب. فعندما أُقر دستور الطائف لم يخطر في بال المشترع ان نواباً سيغيبون عن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية من دون عذر شرعي، وهو ما لم يحصل في أي انتخاب لا قبل دستور الطائف ولا بعده. فإذا كانت المادة 52 من النظام الداخلي لمجلس النواب تنص على أن “حضور جلسات اللجان إلزامي ويعتبر مستقيلاً حكماً عضو اللجنة الذي يتغيب عن حضور ثلاث جلسات متوالية من دون عذر مشروع وفقاً للمادة 69 من النظام، فعلى رئيس اللجنة ان يبلغ رئيس المجلس بالأمر لانتخاب خلف له”. ومضت المادة 69 ايضاً على انه “لا يجوز للنائب التغيب عن أكثر من جلستين في اية دورة من دورات المجلس العادية والاستثنائية إلا بعذر مشروع مسبق يسجل في قلم المجلس”. فإذا كان لا يجوز للنائب التغيب عن اكثر من جلستين في أية دورة من دورات المجلس ولا التغيب عن حضور ثلاث جلسات متوالية من جلسات اللجان لأن حضورها إلزامي، فكيف بالنسبة الى جلسات انتخاب رئيس للجمهورية وهو رئيس كل
السلطات؟
إن حسم موضوع نصاب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية يجعل حضور النواب هذه الجلسات ملزماً خصوصاً أن نصابها هو الثلثان شرطاً لمباشرة عملية الاقتراع السري، وقد اشترط المشترع حضور ثلثي عدد النواب الذي يتألف منه مجلس النواب كي يكون لانتخاب الرئيس صفة ميثاقية يعبّر عنها حضور نواب من كل المذاهب والاتجاهات والمناطق وليس بمجرد حضور نصف عددهم زائداً واحداً، إذ يصير في امكان المذاهب الاسلامية وحدها إذا اجتمعت انتخاب رئيس للجمهورية من دون حضور المذاهب المسيحية، أو يصير في امكان المذاهب المسيحية أن تنتخب وحدها رئيساً للجمهورية من دون الشريك المسلم، وهذا يشكل ضرباً للوحدة الوطنية والعيش المشترك، وهما النموذج الذي يميز لبنان عن سواه من بلدان كثيرة.
إن مسيحيي 8 آذار لم يستجيبوا دعوة بكركي إلى حضور جلسات انتخاب رئيس الجمهورية وعدم التغيب عنها من دون عذر مشروع، ولا التزموا ما تعهدوه، انما التزموا موقف حلفائهم في تعطيل النصاب، في حين أن مسيحيي 14 آذار كانوا عند تعهدهم والتزامهم وحضروا الجلسات مع
حلفائهم.
لذلك فإن اخطر ما يواجه انتخاب رئيس للجمهورية عند كل استحقاق ويعرّض أعلى منصب في الدولة للشغور هو ان يبقى سلاح التعطيل في ايدي جهة نيابية توصلاً إلى تحقيق ما تريد. فإذا كانت قوى 8 آذار لجأت إليه غير مرة عند تشكيل الحكومات لتفرض تشكيل حكومات تسمى كذباً حكومات “وحدة وطنية” كي تتمثل فيها بالثلث المعطل، وان تعطل اجراء انتخابات نيابية إذا لم يكن قانون الانتخاب على قياس مرشحيها، فهل يجوز استخدام هذا السلاح حتى في انتخابات رئاسة الجمهورية في حين ممنوع استخدامه في جلسات اللجان النيابية التي تبحث في مشاريع حتى عادية؟
لقد أعلن الرئيس بري انه سيغير الطريقة الكلاسيكية في انتخاب رئيس الجمهورية، من غير أن يفصح عن التفاصيل، ولكن الناس يتمنون عليه أن يعتمد طريقة انتخاب المطارنة للبطريرك وهي نفسها المعتمدة في انتخاب الكرادلة للبابا، أي ابقاء الجلسة مفتوحة لاجراء دورات اقتراع عدة إلى أن يخرج الدخان الابيض، لا ان يظل لكل نائب حرية الخروج من قاعة الاجتماع ساعة يشاء لتعطيل النصاب وتالياً تعطيل عملية الاقتراع بغية اخضاع الاستحقاق الرئاسي، وهو استحقاق مهم، للمساومة والابتزاز. فأين مصلحة الوطن والمواطن والحرص على الميثاق الوطني عندما يبقى أعلى منصب ماروني في الدولة شاغراً؟!

النهار

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.