صحيفة الكترونية اردنية شاملة

المصالحة الفلسطينية.. هروب إلى الأمام

0

لم تكن ردود الفعل الدولية والإقليمية والعربية على اتفاق المصالحة الفلسطيني لتغيب عن ذهن الرئيس الفلسطيني محمود عباس. كان عباس يدرك قبل توقيع الاتفاقية في غزة أن أميركا ستعترض، وإسرائيل ستعاقب “السلطة”، وأن دولا عربية رئيسة وخليجية فاعلة لا تروق لها عودة حركة حماس إلى المشهد الفلسطيني.
وأكثر من ذلك، يعي عباس أن المصالحة الأخيرة لا تختلف في الجوهر عن مصالحات سابقة انتهت إلى الفشل. قادة “حماس” هم الآخرون غير واهمين؛ السلطة الفلسطينية لم تتغير، ولن تتغير. فقبل أن يجف حبر اتفاق غزة، عاد الرئيس الفلسطيني ليؤكد على ثوابت الموقف من إسرائيل.
لكن ما من وسيلة للخروج من المأزق غير هذه الطريق.
“السلطة”، وبعد فشل جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري في إحياء مفاوضات السلام، تقف على الحافة بين خطرين؛ خطر الانهيار، أو التلويح بحل نفسها.
استعادة زمام المبادرة على الساحة الفلسطينية يتطلب خطوة داخلية، لا لشيء؛ فقط للاستعداد لمحاولة جديدة لاستئناف المفاوضات.
لم يعد في يد “السلطة” من أوراق تهدد وتساوم بها غير المصالحة مع حركة حماس. هذا ما حصل؛ فبعد تعثر دام سنوات، نجح المفاوضون والوسطاء في توقيع اتفاق في غضون أربع وعشرين ساعة. وللمصادفة، حدث هذا الاختراق التاريخي بعد أيام قليلة على إقرار الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بفشل مباحثات السلام.
حركة حماس لم يعد لديها ما تخسره. التطورات الجارية منذ الإطاحة بنظام محمد مرسي، وتعقد الوضع في سورية، والتحول في موقف دول خليجية بارزة تجاه حركات الإسلام السياسي، وضع “حماس” في موقف محرج. لقد بدت كحركة معزولة ومحاصرة؛ إسرائيل تضغط على أنفاسها في غزة، والنظام المصري يفرض طوقا من الحصار على معابرها.
الطرفان؛ “السلطة” وحماس، لم يجدا مخرجا سوى الهروب للأمام؛ إلى مصالحة شكلية لشراء الوقت، في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة.
منح الطرفان نفسيهما مهلة خمسة أسابيع لتشكيل حكومة وحدة وطنية، استبق عباس تشكيلها بإعلان الخطوط الرئيسة لبرنامجها: حكومة تعترف بشرعية إسرائيل، وتواصل جهود إحياء عملية السلام. ولأنه يدرك مأزق “حماس”، فإنه لم يرغب في تحميلها أكثر من طاقتها، وقرر أن يعفيها من شرط الاعتراف بإسرائيل، مكتفيا باعتراف ممثليها في الحكومة بهذا الشرط.
“حماس” لم تجادل في الأمر، فلربما تدرك أيضا أن مطبات كثيرة ستظهر في طريق تشكيل الحكومة، فيتأجل معها دفع هذا الاستحقاق.
عوامل فشل المصالحة ليست داخلية؛ فلسطينية فحسب، بل دولية وعربية. ماكينة الدول غير الراغبة في المصالحة بدأت تعمل منذ الآن لإفشال المصالحة. العديد من دول الخليج فتحت خطوط الاتصال مع إسرائيل، وبهمة عالية. أميركا تلوح بعقوبات اقتصادية، وإسرائيل قررت وقف تحويل حقوق “السلطة” من أموال الضرائب والرسوم. والمؤكد أن دولا عربية أبلغت “السلطة” أنها لن تتعامل مع وزراء حركة حماس في الحكومة.
تعلم السلطة وحماس هذه الحقائق قبل أن تضعا توقيعيهما على الاتفاق. لكن الأمر برمته مجرد خطوة تكتيكية، يعود بعدها الطرفان إلى الحالة السابقة من جديد، وتظل المصالحة هدفا بعيد المنال.

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.