صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تقارير ميدانية

0

تتملكني رغبة العبث بعشرات التقارير التلفزيونية، وأن يتلاعب شيطاني بعقول المشاهدين، فأضيف مشهد امرأة تهدهد طفلها قبل نومه، في ختام تغطية خاصة عن أحداث معان الأخيرة.

أتدارك الموقف سريعاً، وأحذف مقطع الأم وهي تحتضن ابنها، فربما استفزت بعضهم وضمّ سلاحه إلى صدره وأطلق النار في مشاجرة متوقع حدوثها في إحدى الجامعات.

أُركبّ صورة نسوة يطهون طعام الغداء في حفل زفاف عريس من أقاربهن، لأفتتح تقريراً يعرض لمشاجرة بين شابين استدعت قتالاً بين أفراد عائلتهما، وتدخلاً لاحقاً من الدرك، وسأمنع عقْد تصالح بين الدولة بوصفها عشيرة وبين عشيرة أخرى في حال جرى الاعتداء على أي من أبنائها.

أخالف تعليمات مخرج البرنامج ومدير المحطة، و”الأوامر” التي تأتي عبر مكالمات هاتفية بالعادة، وأبث تقارير حيّة عن اقتناء الأسلحة غير المرخصة، التي تجاوزت – بحسب تقارير- مليون قطعة سلاح، ويعقبها لقطات تظهر احتفال طالبات بنتائج “التوجيهي”، وأذكّر المشاهدين بنسب نجاحهن الباهرة.

أقترح بث أغنية “يا جبل اللي بعيد” فور ورود نبأ مقتل العريس برصاص طائش، وأجري مقابلة مع أرملته وحولها نسوة باكيات متعبات لتحملهن وحيدات عناء أعراس لا يكتمل “الفرح” فيها سوى بذكور عاجزين إلاّ من استعراض الرصاص البائس.

“بؤس” يفرض عليّ تقديم موجز الأنباء صامتاً لتضمّنها أخبار عن مصادقة الحكومة على اتفاقيات دولية تُجرّم العنف ضد المرأة والطفل.

أكلّف زملاء لي بإعداد أفلام وثائقية عن الحشود، لعلنا نكشف سر هذه الجموع البشرية التي تتكتل من أجل دوافعها الغرائزية: مراهقون يتحرشون بصبايا في الشارع العام، ومشجعون يحطمون مبانٍ وسيارات سواء فاز فريقهم أم هُزم، وقطعان توحدها عصبيات بدائية تسيّرهم نحو حتفهم في موسم انتخابات، وحين تتحول احتجاجات ضد تزويرها “المزمن” إلى صراعات قبلية.

لن أُغفل – حتماً- ذلك الموكب الذي يقوده فحول مكبوتون يعبرون عن ولائهم المطلق للزعيم كلما استدعت الحاجة إليهم، وسيتبعه برنامج عن ضحايا حوادث السير على يد سائقين متهورين يعتقدون حتى اليوم بتعطيل المرأة حركة المرور.

وسيستمتع الجمهور بسهرتهم مع فيلم “زوجة رجل مهم” من بطولة الراحل أحمد زكي وإخراج محمد خان، وينهون العبث معي بمشهد البطل الذي يقتل نفسه عقب طرده من عمله ضابطاً في المخابرات.

“رجال” مصابون بـسعار سلطة لا ترحم، وبارعون في تصوير هزائمهم بوصفها انتصارات، أو تضحية وفداء لمجتمع يحكمه الخوف والانتظار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.