صحيفة الكترونية اردنية شاملة

رحل وتركنا في متاهته!!

0

انتهى دوره فخرج من عزلته التي امتدت على مدى 87 عاما ، فترجل ورحل ، على طريقة ابطال رواياته ، التي كان اهمها ” مائة عام من العزلة “. لقد نجح الفتى باجتياز المسافة من قريته النائية المنسية الكولومبية ،الاقل حظا، حتى استقر في العاصمة بحثا عن فرصة افضل في مجتمع غارق في الفقر والجهل والاستبداد .
في ذلك الوقت لم يكن غبرييل غارسيا ماركيز يعرف ، او ربما يحلم ، بأنه سيحقق هذا الكم من النجاح والشهرة والابداع ، كما لم يعرف انه سيجتاز حدود بلده ، بل قارته ، الى العالمية ليصبح من اشهر الروائيين في العالم ، ومن اكبر الروائيين الذين كتبوا باللغة الاسبانية.
لقد رحل ماركيز بعدما ترك لشعبه وشعوب اميركا اللاتينية والعالم ارثا ادبيا انسانيا كبيرا ومهما ، بالرغم من صعوبة ووعورة موضوعاته التي تطرق اليها في رواياته ، التي مزج فيها ما بين الواقع والاسطورة.
كان ماركيز ، الفائز بجائزة نوبل ، يؤمن بحرية الانسان وحرية الفكر، لايمانه بان الحرية هي السحر القادر على استحضار الحياة الافضل ، واستدعاء المستحيل الى الواقع. كما كان يتطلع الى التحرير والتغيير من اجل حياة افضل لكل الشعوب المضطهدة، ولكن بوسائل حضارية اكثر جدوى واقل كلفة .
في ذات الوقت كان هاجسه الذي يخشاه ان يتحول الرمز الوطني الى مستبد ، وبطل التحرير الى ديكتاتور ، وهي القضية التي كان يتطرق لها في معظم رواياته وكتاباته عبر جنرالاته . هذه القضية كانت تسيطر على جزء من وعيه ، بسبب ما عانته اميركا اللاتينية من حكم الجنرالات المستبدين الذين زرعتهم الولايات المتحدة في هذه القارة الغنية الفقيرة التي حولتها واشنطن ، في وقت مضى ، الى جمهوريات موز واناناس وفراولة ، خاضعة للنمط الزراعي الذي كانت تفرضه وتتحكم به شركات الغذاء الاميركية متعددة الجنسيات .
واللافت ان ماركيز لم يدخل معترك الحياة السياسية رغم المكانة التي احتلها ، ورغم صداقته لفيديل كاسترو واعجابه به ومحبته له ، كما لم يوظف هذه العلاقة لصالحه ، فظل يحترم خصوصية وقدسية هذه العلاقة الوطيدة المميزة . لقد نجح في تحقيق هذه الاستقلالية والثبات عليها ، وهو المؤمن بانه لا يمكن الفصل بين السياسي والمثقف ، لأنه من الواجب ان يكون السياسي مثقفا ، والمثقف سياسيا دون احتراف، لأننا نعرف ان احتراف السياسة يفرض على السياسي ان لايكون صادقا في بعض الاحيان ، او معظمها.
الحقيقة ان ماركيز خلق ابطاله في عزلة لم يعشها ، عانوا منها كثيرا ، ولكنه فتح المجال لخياله واسطورته وابداعه على افق واسع مداه تعدى الحدود بلاده وقارته الى ما هو اوسع وارحب ، حيث كانت الانسانية ملعبه ومسكنه .
لقد رحل عملاق الادب اللاتيني الانساني تاركا محبيه في متاهة وعزلة ..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.