صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أسئلة اللامركزية

0

مرت فكرة إصلاح الحكم المحلي والتحول نحو اللامركزية في الإدارة الأردنية بمراحل متعددة وحُملت اكثر مما تحتمل، وأجلت ووضعت على الرف، ودفع المجتمع ثمن التسويف والتردد على مدى اكثر من عقدين، وهذا الحال هو أحد مصادر تفسير التشوهات التنموية التي نشهدها، ولكن كل ذلك لا يبرر للسلطة التنفيذية أن تنفرد بالقرار وحدها دون مشاركة مجتمعية في إقرار شكل التغيير في جوهر إدارة البلاد، وهي قضية مجتمع ودولة أكبر من أن تتصدى لها الحكومة وحدها، وعلينا ان نتذكر أن معظم بلديات المراكز الحضرية ومراكز المحافظات قد أسسها المجتمع وأدارها قبل وجود الدولة الأردنية المعاصرة.
قيام مجلس الوزراء بإقرار مشروع نظام الإدارة اللامركزية ومشروع قانون معدل لقانون البلديات وإحالتهما إلى ديوان التشريع والرأي لاستكمال الصياغات القانونية، خطوة شجاعة تحرك هذه البحيرة الراكدة؛ ولكن على السلطة التنفيذية أن تفتح آذانها وأبوابها بل وتشجع المجتمع وكل مؤسساتها لمراجعة كل ما ورد في التعديلات الراهنة، فبعضها يحتاج مراجعة جذرية وبعضها الآخر يعيد إنتاج السلطة المركزية من بوابة جديدة.
معظم الاسئلة التي طرحت خلال الايام الماضية تركزت على إقرار مشروع الإدارة اللامركزية على شكل نظام وليس قانون، ما أدى إلى تجاوز دور السلطة التشريعية المنتخبة وجعل هذا التحول المهم محتكرا في يد الحكومة بكل ما قد يحمله ذلك من تضارب للمصالح، وإلى حين كان يمكن استيعاب المبررات التي ساقتها الحكومة من ناحية المرونة والسرعة، لكن الغموض وضعف مستوى الشفافية أضعفا من فرص المشاركة المجتمعية في مشروع يهدف في المحصلة إلى زيادة المشاركة الشعبية.
على كل الأحوال، فالأهم من السابق هو آلية إفراز المجلس المحلي (مجلس المحافظة) حيث يذهب النظام الجديد أنه يتكون من ممثلين من رؤساء الهيئات المحلية المنتخبة (البلديات والنقابات)، وبذلك يكون المجلس منتخبا وممثلا، وهذا تصور غير عملي وغير ديمقراطي، ولن يقدم أو يؤخر في بنية الإدارة المحلية، بل سيضيف هياكل جديدة ويزيد من صراع الأجندات المحلية، فهؤلاء الأشخاص انتخبوا من قبل فئة محدودة من المجتمع ولا يمثلون المجتمع كافة، وهم انتخبوا لغاية بعينها، وليس لتمثيل المجتمع في الحكم المحلي. وهي صيغة مأخوذة عن حوكمة بعض أنواع الشركات القائمة على مجالس اصحاب المصالح والتي لا تتفق تماما مع إدارة المجتمعات المحلية ولا حكمها ولا مع التطور الاجتماعي والسياسي للمجتمع الأردني ولا تطلعاته، فبدون انتخابات مباشرة تتشكل من خلالها المجالس المحلية كما يحدث في بلدان العالم لا فائدة.
في نصف القرن الأول من عمر الدولة الأردنية كان وعي النخب الرسمية وشبه الرسمية متقدما عن الممارسات التي سادت في النصف الثاني في مجال الإدارة والحكم المحلي، حيث كانت البلديات تتمتع بصلاحيات أوسع وكانت تمثل بالفعل مؤسسات أهلية منتخبة ذات قيمة تنموية أولا وإدارية وسياسية ثانيا، وبدأت على شكل حكومات محلية لها صلاحيات واسعة وعكس ما يتخوف البعض كان لها دورها الكبير في توحيد البلاد وتأسيس الدولة.
البعد الآخر والذي يجب أن نتعلمه في هذا المجال من دروس (الربيع العربي) كيف نربط بين مشروع اللامركزية والديمقراطية المحلية، وكيف يمكن أن يتحول هذا المشروع أداة إلى إدخال التحول الديمقراطي في العمق الاجتماعي الأردني في المحافظات والبلدات والقرى والأحياء والمجتمعات المحلية في المدن الكبيرة، حيث تصبح الديمقراطية محمية من الناس ويكمن جوهرها في قوة الدولة واستقرارها، وهو ما يحتاج إلى جانب التحول في نمط الإدارة نحو الحكم المحلي إلى نظام اتصال قوي يقود تحولات ثقافية موازية.
الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.