صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أنموذج الشركات المتعددة الجنسيات يواجه تحديا وجوديا

0

سواء تعقبت آثارها العائدة إلى شبكات التجارة الآشورية في الألفية الثانية قبل الميلاد، أو فقط إلى منتصف القرن التاسع عشر، عندما ولدت الشركات المساهمة الحديثة العابرة للحدود، فإن الشركات المتعددة الجنسيات حظيت بمسيرة جيدة.

لكن سام بالميسانو، الرئيس التنفيذي السابق لشركة آي بي إم، يعتقد أنها تصل الآن إلى نهاية حياتها الطبيعية. إن الأنموذج المتعدد الجنسيات، القائم على هياكل إدارية مستقلة مع تجميع الموارد الاستثمارية، ستحل محله “المشاريع المتكاملة على الصعيد العالمي GIEs التي ستتخلى عن الهوية الوطنية وتخدم الزبائن من أي مكان في العالم. إنه أنموذج منطقي تماماً وتدعمه سلسلة توريد عالمية ووظائف مساندة عالمية. ومثل هذه الشركات ستكون أكثر إنتاجية، وابتكاراً، وسرعة في التنفيذ.

لكن من أجل الوصول إلى هناك سيكون على الشركات المتعددة الجنسيات اعتماد أساليب غير مألوفة للعمل والإدارة والتأقلم مع ثقافات وطنية متأصلة، بينما ستقوم المشاريع الأصغر والأكثر مرونة، التي بُنيت من الصفر استناداً إلى خطوط عالمية، بمنافستها بقوة شديدة. إن فكرة المشاريع المتكاملة يُلازمها أيضاً تاريخ حزين أحياناً لشركات مثل فيليبس وإيه بي بي، التي تحوّلت من أنموذج إدارة السيطرة المباشرة إلى أنموذج “المصفوفة” في التسعينيات.

ومنذ أن طرح بالميسانو فكرة المشاريع المتكاملة على الصعيد العالمي لأول مرة عام 2006، قامت الاقتصادات المتقدمة بالمماطلة وإحياء دعوات من أجل الحمائية، وتباطأ نمو الأسواق الناشئة. لكنه يقول “إن البيئة الحالية قامت فعلياً بتسريع الحاجة إلى هذه البُنية”، حيث تبحث الشركات والبلدان عن مصادر جديدة للنمو والإنتاجية. ونشر بالميسانو للتو كتابا بعنوان “إعادة التفكير” – وهو كتاب إلكتروني يأتي جزء منه على شكل مذكرات، وجزء آخر على شكل بيان رسمي – وأطلق “مركز المشاريع العالمية” لنشر وبث الفكرة.

والشركات الرائدة الوارد ذكرها في الكتاب تشمل شركة الأسمنت المكسيكية “سيميكس”، ومجموعة الاتصالات الهندية “بهارتي إيرتل”. لكن المثال الرئيسي لبالميسانو هو شركة آي بي إم، التي وضعها على طريق الاندماج العالمي منذ تنظيمها السابق على شكل سلسلة من “شركات آي بي إم صغيرة” أعادت تكرار وظائف الشركة الرئيسية كافة في كل بلد.

وبدلاً من ذلك، قامت مجموعة التكنولوجيا بإنشاء خدمات عالمية مثل الموارد البشرية، والمالية، والقانونية، والعقارية، وأتاحت للمديرين في البلدان المختلفة المجال للتركيز على عمل الزبائن وعلى تطوير “مراكز الامتياز” للأنشطة الأساسية.

وبحسب بانكاج جيماوات، من كلية Iese لإدارة الأعمال “الدافع الأساسي معقول، دعونا نجد طرقاً لا تعتمد هيكل الإدارات المستقلة، المُجتمعة في أداة استثمارية مشتركة”. ويضيف أن عملية التكامل الأكبر ستجعل الشركات الدولية أكثر فاعلية. لكن بحسب بالميسانو، حتى شركة آي بي إم ستحتاج أعواماً لإتقان الفكرة، “نحن لسنا بحاجة لخلق المادة التالية لأشباه الموصلات، لكن بطريقة ما عليك ابتكار أنموذج جديد للأعمال”.

أحد التحدّيات سيكون تحقيق التوازن الصحيح بين الوظائف العالمية والمحلية، وبين الاستعانة بمصادر خارجية للعمليات أو التعامل معها داخلياً. ووفقا لورينزو زامبرانو، الرئيس التنفيذي لشركة سيميكس، “عليك تجنّب خطر الميل نحو أحد الطرفين أو الآخر”. ويصف التحوّل بأنه “عملية ذات نهاية مفتوحة عليها التأقلم مع ظروف السوق المتغيرة باستمرار”. وتستفيد شركة سيميكس من إمكانيات المعرفة الجماعية لموظفيها البالغ عددهم أربعة آلاف، الموجودين في 50 بلداً، عن طريق استخدام ـ من بين أدوات أخرى ـ شبكتها للتواصل الاجتماعي الداخلية “شيفت” لتبادل أفضل الممارسات وزيادة التعاون، بينما عملت على التنظيم المركزي لأنشطة الدعم، مثل تكنولوجيا المعلومات.

من ناحيتها تابعت مجموعة بهارتي إيرتل سياسة جذرية تتمثل في الاستعانة بمصادر خارجية. فقد احتفظت بالوظائف الأساسية المتعلقة بالزبائن، والمالية وإدارة العلامات التجارية، والارتباط التنظيمي، لكنها جعلت شركات أخرى تقوم بتصميم وبناء وتشغيل شبكتها والتعامل مع احتياجاتها من تكنولوجيا المعلومات. ويقول سونيل بهارتي ميتال، المؤسس ورئيس مجلس الإدارة، “إن هذه الاتفاقات كانت حيوية عندما واجهت المجموعة الواقع بوصفها شركة متعددة الجنسيات” في عام 2010، بعد شرائها شبكات في 15 بلدا إفريقيا من شركة زين.

لكن مع زيادة نموها، بدأت مجموعة بهارتي إيرتل استعادة مزيد من الخدمات لإدارتها داخلياً، بعد أن تلقت شكاوى بشأن خدمات زبائن سيئة في بعض المناطق. ويقول ميتال “قررنا إعادة النظر في هذه العقود، لأن العزم الذي احتجناه للعناية ببعض هذه المسائل لم يشاطرنا فيه جميع شركائنا الخارجيين”.

والتحدّي الثاني هو كيفية الحفاظ على الثقة داخلياً وخارجياً في آن معا. فعندما تفشل سلسلة توريد عالمية، فهي تُلحق الضرر بكامل المجموعة. وبالمثل، فإن انتهاكات الخصوصية أو الهجمات الإلكترونية التي تُضعف قدرة مقاومة الإنترنت تعمل على إضعاف العمود الفقري في الشبكات الدولية للمشاريع المتكاملة على الصعيد العالمي.

هناك عقبة أخرى هي عدم وجود تنوّع في الإدارة العليا في الشركات المتعددة الجنسيات. ووفقا لبالميسانو “إذا أردت أن تصبح بالفعل شركة متكاملة على الصعيد العالمي، ينبغي أن يكون صاحب المنصب الأول من أي مكان في العالم”. لكن وفقاً لبحث أعدّه البروفيسور جيماوات، فإن 14 في المائة فقط من أكبر 500 شركة مُدرجة في العالم، لديها رئيس تنفيذي من خارج موطن صاحب العمل الأصلي. و10 في المائة فقط من هذه الشركات فريق الإدارة العليا فيها ليس من الموطن الأصلي.

ويقول زامبرانو، الذي لا يزال معظم زملائه في الإدارة العُليا من المكسيك أو إسبانيا، “إن شركة سيميكس قامت بتنفيذ برامج قيادة دولية”. ويشير ميتال إلى أن المناصب العُليا في مجموعة بهارتي إيرتل يُسيطر عليها الهنود – بما في ذلك المغتربون الهنود العائدون – لأن من الصعب إقناع الأجانب بالاستقرار في الهند.

وربما يواجه أنموذج الشركات المتعددة الجنسيات أيضاً اضطراباً من الأسفل إلى الأعلى. قبل ثمانية أعوام قام بالميسانو بنقل فكرته إلى الشركات الدولية الكبيرة والمتوسطة الحجم، لكن الشركات الأصغر والشركات الناشئة ترى فرصاً وإمكانيات في أنموذج المشاريع المتكاملة على الصعيد العالمي على اعتبار أن الخدمات القائمة على السحابة، وأدوات البيانات الكبيرة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، تمنحها منصة لتجاوز المجموعات الأكثر بيروقراطية. ويقول الرئيس السابق لشركة آي بي إم، “أنت لا تحتاج إلى كثافة رأس المال التي كنت تحتاجها في “إكسون” أو “جنرال موتورز”. في الأنموذج الأصلي، أنت تنتقل من محلّي إلى وطني إلى العولمة بالكامل – لكن الآن أنت تصبح عالمياً، وتتعاون وتتصل”. بعبارة أخرى، إذا كان الماضي ينتمي للشركات المتعددة الجنسيات، فإن المستقبل ربما يكمُن فعلاً في المشاريع المتكاملة عالميا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.