صحيفة الكترونية اردنية شاملة

يحدث في مستشفياتنا!

0

تكرّرت حالات الاعتداء على أطباء في القطاع العام، فأصبحت خبراً اعتيادياً. ولم تنجح إلى الآن محاولات الحدّ من ذلك. وهو أمر غير مقبول، ومرفوض أخلاقياً وإنسانياً، قبل أن يكون مما يستوجب العقوبة قانونياً!
خارج سياق التبرير، وفي الوقت نفسه، فإن من الضروري أيضاً أن ننظر للمسألة من الجهة المقابلة؛ أي واقع المستشفيات الحكومية، ومدى تطوّرها وقيامها بمهماتها، والتزامها بالمعايير الإدارية والطبيّة، وخضوعها للقانون ولمبدأ المحاسبة والمساءلة؛ فذلك بمثابة “الإجراء الوقائي” الذي يحدّ من العصبية والالتحام السلبي بين الكوادر الطبية والتمريضية وبين المواطنين، ويُشعر المرضى وذويهم بوجود نظام إداري واضح، وإجراءات دقيقة تطبّق على الجميع.
للأسف، الواقع في العديد من المستشفيات الحكومية معكوس تماماً. وربما تكون قصّة الطفلة مجد الهزايمة، المنشورة في “الغد” أمس، مثالاً واضحاً وصارخاً على ذلك الإهمال والتردّي اللذين يهيمنان على المستشفيات الحكومية. وهي قصة يرويها والد الطفلة، بمرارة شديدة، بعد أن بدأ بعرض حيثياتها ووقائعها، موثّقة بالصور، على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”!
القصة تبدأ من إدخال الطفلة مجد إلى مستشفى الزرقاء الحكومي، وما تلا ذلك من أخطاء طبية فادحة في تشخيص المرض وتحديد نوع العلاج، بما يشبه التخمين، إلى الضعف الملحوظ في المعدّات الطبية اللازمة والمطلوبة، مروراً بالحالة المزرية للمبنى الحكومي (مزوّد بالصور لغرفة الطفلة ودرج المستشفى المتساقط). والأسوأ من ذلك عدم الاكتراث بالمعايير الطبية الواضحة، عندما تم تشخيص المرض على أنّه التهاب الكبد الوبائي (أ)، لكن لم يتم عزل الطفلة إلاّ بعد أيّام عديدة، في غرفة غير ملائمة (إحدى المعلّقات على صفحتي على “فيسبوك” ذكرت أنّها وطفلها ناما في غرفة في مستشفى حكومي مع طفل مصاب بمرض السحايا المعدي!).
قبل هذا وذاك، فإنّ الصور توثّق عدم الاهتمام بالنظافة ومعاييرها الصارمة المفترضة في المستشفيات؛ فتلقى مخلفات العلاجات في النفايات العادية. ومع كل ذلك، فلا جواب من إدارة المستشفى ولا وزارة الصحة على أسئلة الزميل حسّان التميمي، الذي قام بإعداد التقرير!
من الضروري أن نعيد فتح هذا الملف. فمن أبسط مفاهيم وقيم حقوق الإنسان، تولّي الدولة توفير المستشفيات الحكومية والعلاجات المجّانية لأغلبية أفراد الشعب، أو أولئك الذين لا يمتلكون كلفة التأمين الطبي الخاص. وهو ما لا يتوافر في كثير من المستشفيات الحكومية؛ لا على صعيد الإدارة، ولا الإمكانات المادية، ولا حتى القدرة والكفاءة، مع الازدياد الملحوظ للأطباء، وتراكم الأخطاء الطبية بلا مساءلة حقيقية!
على الطرف الآخر، وإن كانت المستشفيات الخاصة وأطباء الاختصاص في حالٍ أفضل بكثير من الواقع الحكومي، إلاّ أنّ غياب المساءلة الطبية والشفافية أدّى إلى تشويه هذه الصورة المتقدّمة للأردن على صعيد المنطقة. فكم شعرت بالخجل عندما كان رئيس الوزراء الليبي السابق، علي زيدان، يردّ على أسئلة زملائنا الكتاب (في جلسة خاصة) متحدثاً عن فواتير بعشرات أضعاف القيمة الحقيقية للمستشفيات الأردنية على المرضى الليبيين!
ذلك، بالتأكيد، لا يعني التعميم؛ فالقطاع الطبي الحكومي فيه كثير من المخلصين والمبدعين والمتميزين، وكذلك الحال في القطاع الخاص، والطبّ عموماً مفخرة أردنية. لكن، كي نحافظ على هذا الإنجاز الوطني، فلا يذهب ضحية الإهمال وعدم الاكتراث الحكومي من جهة، أو عقلية تجارية آنية من جهة أخرى، لا تدرك خصوصية هذه المهنة وقدسيتها، وجب الحديث الجدّي عن المساءلة الطبية بتفعيلها، مع الاعتراف بأنّ “نقابة الأطباء”، مع الاحترام الشديد، ليست طرفاً محايداً في العادة في النزاعات من هذا الشأن!

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.