صحيفة الكترونية اردنية شاملة

هلا معلّم

0

افوز يوميا بأكثر من عشرين لقبا،وفقا لحالتي وتقلباتي النفسية،ووفقا لعين من يشاهدني،فمن سائق التاكسي الذي يكبرني عمراً فيخاطبني قائلا اهلا حجي،وصولا الى بائع الخبز الذي يقول لك هلا عمي،وهو اكبر مني بعشرين عاماً.
لا تعرف كيف يتم اختيار الالفاظ في المخاطبات،فالصبية في مكان عملها تخاطبك وانت الاربعيني قائلة «اهلين عمو» فيضطرب وجدانك،اذ تتذكر انك بدأت تشيب،على الرغم من انك مازلت تظن انك عشريني يهرب من المحاضرة في الجامعة!!
في مرات اخرى يخاطبك آخر قائلا «اهلا خال» فتجمع عدد اخوالك الذين اكتشفتهم خلال العام،فإذ بهم الف خال،فيالها من عائلة ممتدة مباركة،وذريتها تجوب بلاد الشام وكل الهلال الخصيب،وجنوب الجزيرة.
في دول عربية اخرى لا تتم مناداة اي رجل لايعرفون اسمه،الا بلقب «محمد» وهذه خير وسيلة،فكل من لا تعرفه في تلك الدولة هو «محمد» حتى تعرف اسمه،وتناديه به،باعتبار ان هذا الاسم مقبول وقاسم مشترك بين الجميع.
تذهب الى احدى الفضائيات لتشارك في برنامج صباحي فتتم مناداتك بلقب استاذ،وعند الخروج تشتري القهوة من اقرب محل فيخاطبك الشقيق الوافد بكلمة «يا معلّم» وكأنني صاحب محل للجزارة.
بعد ساعة،قد يتصل بك من يحدثك باسم ابنك،وبعد الظهر تنال حصتك،في لقب جديد،اذ تقابل من يناديك بلقب الشيخ،من باب التكريم والاعتزاز،معتبرا انك شيخ ابن شيخ.
هكذا لا يمر اليوم،الا وقد حزت على عشرين لقبا،فتنام وانت لا تعرف من تكون،فتقلب الالقاب ذات اليمين وذات الشمال،فتصحو من غيبوبتك وقد سمعت صوت الجار مبكرا يناديك بصوت مرتفع قائلا: يا جار،فتضيف اللقب الى قائمة الالقاب الممنوحة لك.
احيانا يتم صرف اللقب بناء على الانطباع،فاذا كنت مرتديا لباسا رسميا كانت حصتك في اللقب مهيبة،من طراز «هلا سيدي» فاذا كان لباسك نهاية الاسبوع متواضعا فوضويا بنطال جينز وقميص ابيض،ظنوك،شخصا آخر فيقال لك «هلا اخي».
مرات يقال لك «يارفيق» وانت خارج للتو من صلاة الجمعة،ومرات يقال لك «يا ابن عمي» والذي امامك لا يمت لك بأي صلة قربى.
القصة تنطبق على وجهك وراحتك،فمرات تبدو كبيرا في العمر فيصرفون لك القابا من باب تمني حسن الخاتمة،ومرات يرونك شابا،فيراعون لمعة العينين وومضات الصبا،ولان الانطباع هو الحاكم،فذات اللقب يتغير لو قمت بصبغ شعرك،او تركه ابيضا بشيبه،فالعيون عندنا هي التي تقرر،ولا حلول وسطى بين الناس.
كل الالقاب محتملة،الا حين تناديك الصبية قائلة «اهلين عمو» فتتلفت يمينا وشمالا،وتشتم في سرك،وتقرر البحث عن المحلات التجارية التي لا تشغل الا الرجال والنسوة،من ذات جيلك،لعلك تسمع كلمة جميلة،تبث الروح في عروقك.
عندي صديق رشق العامل الوافد في المؤسسة بالقهوة،لمجرد انه قدمه له،قائلا له «تفضل حجي» وصديقنا الغاضب سبعيني العمر،اعتبر الامر بمثابة اشهار لكونه عجوزا هرما،فيما العامل الوافد كان اكثر ذكاء اذ قال انه يتمنى له الحج فقط.
هلا معلّم،ومحل الجزارة خاصتي مفتوح ايام الجمعة،للراغبين بالحصول على اللحم البلدي.

الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.