صحيفة الكترونية اردنية شاملة

سن اليأس!

0

بعض الرسائل التي تردني توقعني في حيرة شديدة، فهي تحمل في ثناياها عذابات خاصة جدا، وفيها بوح غير علني، لكنه ينطوي على اختزال شديد لمعاناة جيل كامل في كبسولة ألم!
منشأ الحرج هنا أن هذه الرسائل ليست للنشر، وإن كانت تحمل جمرا متقدا يصطلي به كثيرون وكثيرات، ويضع المجتمع كله أمام مسؤولياته، بسبب ما يسوده من قوانين عرفية غير مكتوبة، لكن لها نفاذا وقوة أكثر شدة من أي قانون مكتوب!
هي فتاة في نهايات العقد الثالث، لم تزل على مقاعد الدراسة، تغطي مصاريفها من أهلها، تعيش حالة الآلاف من فتياتنا العزباوات، صحيح أنها لم تصل سن «اليأس» من وصول شريك العمر، لكنها في الوقت ذاته تشعر أنها إنسانة غير مجدية لا أهمية لها «لأنني لا زلت أحصل على مصاريف دراستي من أسرتي التي أخاف أن أخذلها بأي تصرف مشين أو مسيء» ثم تذهب بعيدا في البوح حين تقول «أحب أن أكون أهم امرأة في العالم وأعظم أم لكن هذه الرغبة الأخيرة أشعر أنه من غير الممكن حدوثها(!) هكذا أشعر دائما لذلك أشعر بالقلق والخوف من شماتة الناس والنظرة التي سينظرون بها إلينا كوننا لا يطرق باب بيتنا أحد وإن جاء لا يعود وإن كان يريد أن يأتي لا يأتي»!! ثم تقول «ما أشعر به قد لا يكون مشكلتي وحدي فهي مشكلة الكثير ممن هن في سني «!
هذه مقتطفات من البوح الشخصي لحالة ما، لكنها في حقيقتها عرض لما يعانيه كثير من فتياتنا اللواتي كتب عليهن أن يجلسن في انتظار مجيء «فارس» على حصان أبيض أو حتى أجرب، أو على سكاوتر أو دراجة هوائية أو فوكس فاجن صنعت في منتصف القرن الماضي، وإن لم يأت هذا الفارس «راحت عليهن» وانضممن إلى صفوف الوحيدات اللواتي كتب عليهن التبتل أبدا!
كلما ذكرت أمامي مثل هذه الحالات قفزت إلى نفسي فورا قصة زواج أم المؤمنين خديجة برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف خطبته لنفسها على نحو أو آخر، مع أن كثيرا من السادات والرؤساء في مكة كانوا يحرصون على الزواج منها فتأبى عليهم وتردهم جميعا, ولكنها وجدت ما تنشده في محمد صلى الله عليه وسلم وهذا ما أفضت به إلى صديقتها نفيسة بنت منية التي ذهبت إليه وكلمته أن يتزوج صاحبتها، وقالت: يا محمد ما يمنعك أن تتزوج ؟ فقال : ما بيدي ما أتزوج به، قالت : فان كفيت ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب؟ قال : فمن هي . قالت : خديجة قال : وكيف لي بذلك ؟ قالت: علي، وتم الزواج وكان عمرها رضي الله عنها أربعين عاما وعمر رسولنا خمسا وعشرين! ترى لم لا تخطب فتياتنا من يردن من الشباب، اقتداء بأم المؤمنين خديجة، ولم عليهن انتظار من يأتي ولا يأتي؟؟

الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.