صحيفة الكترونية اردنية شاملة

حدوثة رعب مصرية…الجزء الخامس،

0

9:00 مساءا، قصر النائب و المليونير مرقس جمال، جاردن سيتي :

كانت فيلا جمال تقع في أجمل احياء القاهرة وسط لفيف من الصروح المعمارية التي تعكس الذوق المعماري الرفيع الموجود في العاصمة المصرية، فكانت مشيدة على عشرة فدادين من جاردن سيتي متضمنة مبنى القصر الذي كان مبنيا على شكل القلعات الاموية الاسلامية العتيقة، و يميز التصميم الخارجي هيكل حجري ذو زوايا برجية دائرية تعطي المبنى الكبير شكل قلعة اثرية أنيقة، و كانت حديقته الواسعة تحتل مساحة ثلاثة فدادين من الباحة الخلفية حيث كانت مُسَوًرَة بالكامل بحائط حجري عالي لحمايتها، و من مَيِزاتْ هذا الحائط انه مزين باللغة الهيروغليفية و برسومات فرعونية أنيقة و منحوتات اثرية محفورة ضمن جدران هيكله، و كانت هذه الحديقة مزروعة بالكامل بالعشب الاخضر الجميل و اروقتها بالأشجار و الورود المتنوعة التي استوردها أصحاب القصر من إيطاليا، أما رياحينها فكانت تبعث على مدار الساعة العطور الجميلة حيث كانت تنقلها النسمات الرقيقة معها لتُطَيِبْ أجواء الحديقة بالكامل، بل كانت جزء من هذه العطور الطَيِبَة تنعش أجواء صالة خاصة للرياضة تابعة لهذه الحديقة و مسبح داخلي ايضا كبير طوله خمسة و عشرين مترا، و يتصل بهذا المسبح اجهزة خاصة به تتحكم بدرجة حرارة المياه لكي يكون صالح للاستخدام على مدار فصول السنة،

اما القصر نفسه فكان يتألف من طابقين، فالطابق الأول كان يحتوي على ثلاثة صالات كُبْرَى، واحدة منها مفصولة عن باقي المرافق بباب خشبي لإجتماع الأهل و الأقارب و الزوار، و فرش هذه الصالة كان يتألف من أطقم كنب فاخر للجلوس و بأثاث حفر انيق من خشب البلوط الثمين تم تصميمه على يد مصمم عالمي مشهور خصيصا لهذا الصرح المعماري الفاخر، اما الصالات الباقية فكانت مفتوحة على بعضها و تمتاز بالمساحات الكبيرة حيث كانت فارغة من اطقم الجلوس لأغراض الحفلات و أمسيات الكوكتيل و السهرات، كانت جدران هذه الصالات مُزَيًنَة بلوحات فنية من الطبيعة بريشة رسامين ايطاليَن جلبهم مرقس خصيصا الى مصر لرسم هذه اللوحات، و كانت هذه الصالات تنفذ على الحديقة الكبيرة في خلفية القصر، كما يحتوي الطابق على مكتب لمرقس و مكتب لزوجته نادية، و كانت المكاتب واسعة ومفروشة بأطقم الجلد الفاخرة، كما يحتوي الطابق على مطبخ كبير مجهز باحدث ادوات الطهي و صالة جلوس لموظفين القصر، اما الطابق الثاني فكان يحتوي على غرف للنوم و صالة عرض سينما مصغرة تضم خمسين كرسي للترفيه و التسلية،

كان القصر عامر بالحياة و الموسيقى الكلاسيكية في هذه الامسية، فالحضور كان كبير و الضحكات البهيجة كانت تصدح بارجاء صالاته و اجواء حديقته العطرة، فالحِسُ البشري حَوًلَ أروقته الى جنة مُؤْنِسَة، دخلت سيارة الشفروليه التي كانت تُقِلْ الجنرال رؤوف الى الساحة الأمامية للقصر المكتظة بالسيارات الحديثة و الثمينة، و فور توقفها عند المدخل فتح الباب للجنرال احد موظفي الاستقبال، كان شاب طويل و وسيم و يرتدي بذلة سوداء، ابتسم للجنرال حينما خرج من السيارة وقال “مرقس بيه ينتظرك في الداخل،”

أجاب رؤوف “شكرا لك” وهَمً مُسْرِعاً الى الداخل برفقة موظف استقبال آخر ليرشده الى مكان الاحتفال و القلق ينتابه من هذه الرسالة، مرقس جمال كان دقيقاً جدا في مواعيده و لا يحب عدم الانضباط إطلاقا، فعندما يترك هذه الرسالة مع طاقم الاستقبال يعني انه مستاء من تأخر ضيوفه عليه، و لكن الامر الذي أَخًرَهُ كان مهم جدا و كاد ان يهدد عمله و علاقاته مع المجموعة لو لم يهتم به، استأذن من مرافقه و طلب منه العودة حينما دخل الصالات الكبرى للقصر، فإستقبلته الاجواء الاحتفالية المُشْبَعَة بروائحها المعهودة، فكانت رائحة المشاريب الكحولية الممزوجة مع العطور الفاخرة كالعود و الوردية و المنعشة منها تملئ الصالة الكبيرة،

كان الحفل الموجود في قِمًتِ اناقته، فتنقلت انظاره بحثا عن مرقس بين المجموعات المنهمكة بالحديث و بين النوادل التي كانت تتمشى بين الجموع مقدمتاً الضيافة للحضور، كانت النساء ترتدي الفساتين الثمينة بِتَصَاميمِهَا المُبْهِرَةِ و كان وميضاً بَرًاقاً يلمع بين الفينة و الآخرى أمام ناظريه من على الحُلِي الفاخر التي كانت تزدان به، اما الرجال فكانوا معظمهم في بِذَلٍ فاخرة ما بين التكسيدو الامريكية مع الببيون او البذلة التقليدية التي اختلفت بالوانها و اشكال ربطات عنقها، فَنُخْبَةٌ من ألمع رجال الاعمال في القاهرة كانت مَدْعُوَة لقضاء امسية راقية بمناسبة مرور عامين على زواج مرقس و نادية،

هز برأسه مرحبا ببعض الشخصيات من معارفه التي كانت تقف على مسافة منه ليرى أخيرا مرقس وزوجته واقفين مع بولس السلحدار و عائلته، اقترب منهم مبتسما و لكن ليلاقي ملامح الاستياء على وجه مرقس وسط ترقب آل-السلحدار لما يحدث، و رغم انزاعجه من ردت فعل مرقس الا انه حَيًاهُ و قَبًلَ وجنتيه كما لو لم يكن هنالك شيئ، و قَبًلَ بولس زميله بالخدمة و سلم على زوجته و ابنته، ورغم دبلوماسيته الا انه قوبل بنقض من مرقس”موعدنا كان في الثامنة و الان الساعة التاسعة، الا تعمل ساعات الضباط بانتظام؟”

انسحبوا ال-آلسلحدار مع نادية بعيدا عنهما و تركا الرجلين لنقاشهما، فاجاب الجنرال رؤوف “تـأخرت لأسباب قَهْرِيَة فحصلت معي حالة طارئة،”

لم يجيبه مرقس بشئ فتوجه و قاد رؤوف الى ممر طويل في يمين الصالة حيث كان بأخره بابين علي اليمين و اليسار، ففتح مرقس الباب اليمين و دخلا الغرفة و أشار بيده الى مقعد للجلوس امام المكتب، توجه الى بار المشروب في احد الزوايا الذي كان حافل بشتى انواع المشاريب سائلا “الوسكي؟”

نظر رؤوف من حوله باعجاب الى المكتب الفاخر و طقم الجلد الأَسْوَدْ الثمين الذي كان يُؤَثِثْ الغرفة، كانت هذه اول مرة يدخل فيها مكتب مرقس في الفيلا فكانا يجتمعا دائما في مقره بالشركة، فالبار الانيق الحافل بالمشروبات على حِدا كان يساوي مبلغ كبيرا من المال، اما الزاوية المقابلة للبار فكانت مفروشة بسجادة جلوس عربية ملونة و طقم وِسَاداتْ بدوي، و كانت معلقة على الحائط اقمشة مزينة باشكال ملونة بدوية الاصل، ففكر في ذاته “اذاً الاخبار صحيحة، فإشاعة شركته المزمع ان يفتحها مع صديقه الخليجي صحيحة و الا ماكان اثث مكتبه بالجلسات العربية،” فاجاب “مع هذه الجلسات العربية الرائعة انا بحاجة للقليل من العَرَقْ و لراقصة شرقية،”

بالرغم من مزاجه السئ ضحك مرقس بقوة و قال “مازال عندي زجاجة فاخرة اتتني من صديق في لبنان،” قام بوضع بعض الثلج في الكوبين و فتح الزجاجة ثم سكب العرق فيهما، امتلأت اجواء المكتب من طقطقة الثلوج حين لامسها السائل الكحولي الحامي لبضع ثواني، أمسك مرقس الكوبين و اعطا الجنرال كوبه ثم استدار حول المكتب و هو يقول “ما هذه الاخبار التي سمعتها؟”

توترت اعصاب الجنرال و سأل “اية أخبار؟”

نظر مرقس إليه بتمعن و قال”اظن انك تعلم ما اعني؟”

كان الجنرال يعلم ان مرقس من أذكى رجال الاعمال التي عرفها بحياته، فبالرغم من قامته القصيرة و التي لا تتجاوز المتر و سبعين سنتمترا كان لديه الذكاء الكافي لادارة اقتصاد بلد بأكمله، كان وسيم و اشقر المعالم فكان شعره ذهبي و بشرته بيضاء و ذو عيون زرقاء، اما شخصيته الظاهرية فكانت مريحة جدا و الناس الذين يحتكون به يشعرون انه قريب من القلب، و هذا ربما كان سبب نجاحه في الانتخبات فكانت لديه الكاريزما و المعرفة كيف و متى يُظْهِرْ دماثة الخلق للناس، و لكن كان الجنرال يعرف ما في المكنونات و خفاياها، فكان جزء من شبكة اجرام تضم اعضاء من مصر و اوروبا فمجموعة شركاته كانت غطاء لتفسير ارباحه و حساباته في البنوك السويسرية، فارباحه كان مصدرها الحقيقي تهريب الاثار المصرية الى تجار في الاسواق السوداء في اوروبا و امريكا و استيراد المخدرات لحسابه الشخصي و لحساب المجموعة الى مصر، و هنا كان يأتي دوره فكانت تُشْحَنْ المخدرات ضمن شحنات السكر الناعم الحلل من امريكا الجنوبية عن طريق خطوط البواخر الذي يمتلكها و يتم خلط المخدرات التي كانت تُغَلًفْ باكياس الخمسين كيلوغرام باكياس السكر الثانية من نفس الوزن ضمن الحمولات الكبيرة على البواخر، فَتُشْحَنْ كميات السكر بعد الاجرآت في الميناء الى مستودعاته ليتم توزيعها على السوق بواسطة شركة الاستيراد و التصدير الذي كان يمتلكها، والاكياس المخدرة كانت تُنْقَلْ الى حجر مبنية تحت المستودعات لغايات تغليفها و نقلها الى التجار، مرة في كل شهر تاتي الباخرة و معها لا يقل عن نصف طن من المخدرات مُغْرِقَةً شوارع القاهرة بهذه السموم و مُرْبِكَةً الشرطة بالبحث عن مصدرها، و كانت المجموعة تُكَافِئُه كناقل لهذه السموم بمبالغ مجزية،

و لم تكن هذه البواخر محملة بالمخدرات و السكر فقط بل كان في هيكلها حجر خفية عن الانظار يتم تحميلها في ساعات الليل الدامس بالاثار المسروقة، فعندما تُبْحِرْ الباخرة و تخرج من الحدود البحرية لمصر كانت تعترضها زوارق و تأخذ من طاقمها الاثار لتحملها الى اوروبا، كانت هذه المجموعة مدعومة في الخفية من اسماء عملاقة في مصر و خارج مصر و من اكبر شبكات تجارة الممنوع في العالم، اما غضبهم فَلَهُ القدرة على زلزلت اقتصاد دُوَلْ باكملها لان نقودهم كان يعاد استثمارها باستثمرات قانونية لِتُهَيْمِنْ بذلك على بعض الدول التي تدري بامرهم للتستر عليهم،

اما عن مدى اخلاص مرقس كزوج فكان يعلم بالسهرات الحمراء التي كان يقضيها اثناء سفر زوجته بصحبة عشيقته الخفية في يخته الخاص و يعلم بالطقوس الخاصة التي كان يحب ان يمارسها بِصُحْبَتِهَا، كان جالساً برفقة معاون الشر نفسه و الكلمة محسوبة عليه،

فقال بنبرة صوت هادئة و مفسرا “سيد مرقس انت تعلم ان الشرطة تشدد اجرآتها على الجمرك و التجار…”

فاجاب مرقس بصلابة “ولِمَا الشك بِكَ انتَ يا رؤوف؟”

“يا سيد مرقس الشرطة هذه الايام تشك بخيالها و بأي شخص يشحن مواد الى البلد، يريدون صنع اي حركة امنية و اي شيئ ليثبتوا للرأي العام انهم يقظين، و لأننا نُغْرِقْ البلد بالكثير هذه اليام بسبب إنعدام الأمن بعد الثورة، و لا تنسى أنهم لم يجدوا شيئا عندي،”

فجأة غير مرقس نبرته و سأل رؤوف ببعض الارتياح “انت تخبرني بكل شيئ يا جنرال، انت لا تخفي شيئ عني؟”

هدئت اعصاب رؤؤف قليلا و أخذ رشفة من كوب العرق و أجاب “انت تعلم انني لا اخفي شيئ عليك،”

فتح النيران على الجنرال مرة ثانيه مربكا اياه “هل انت متأكد انه لا يوجد عندك ثغرات في شركتك، ربما جاسوسة مثلا لحساب الشرطة؟”

اهتزَ بدن الجنرال من سؤال مرقس و تسارعت دقات قلبه و بدء العرق يتصبب من جبينه، كيف عرف موضوع الجاسوسة؟ فردَ بارتباك “يا سيد مرقس…أرجوك ان تصدقني ان شركاتي درع محصن عن أي شبهات و لا وجود لجواسيس لدي”

ابتسم مرقس و قال “لا تقلق، كنت فقط اطمئن على سير العمل عندك،” أخذ رشفة من العرق و أخرج ورقة من جيب بذلته و اعطاها للجنرال،

أخذها رؤوف و فردها من ثنيتها ليقرأها، فجأة نهض من مكانه و الرهبة تلمع بعينيه و قال “هذه خارطة لكنز!”

نهض مرقس من مكانه و اقترب من الجنرال و هو يشرح “هذه نسخة مرسومة طبق الاصل عن نصف خارطة موجودة عندي تشير الى صحراء عبر الاردن، يعني صحراء وادي رم، الأحرف الهيروغليفية تقول –هنا يرقد الموت الذي سحقه إلهنا سيتي الاول بجيشه بإنتصار عظيم، وابنه رمسيس دفن بيديه ما سيشبع ظمأ الجَشِعْ الى السلطة و القوى – هذه فرصتك يا رؤوف كي تُصَلِحْ اية تقصيرات قد ارتكبتها معي و مع المجموعة،”

لم يصدق رؤوف ما تراه عيناه، كنوز فرعونية ثمينة؟ أخذ رشفتاً كبيرة من العرق فَعَبَسَ وَجْهُهْ حين احس بلسعات السائل الحارق في حلقه، و سرعان ما انهى الكوب، ضحك مرقس من ارتباك الجنرال و قال “في تركيا يسمونه حليب السِبَاعْ يا جنرال، اريدك سبع في الاردن،”

“انت تريد مني ان اذهب الى الاردن…”

“على رأس وفد للبحث عن اثار و لكن علاقاتي ستبقيك في الظِلْ في الاردن، ستدخل من دون اية ضوضاء و تُراجِعْ صديقة ذات نفوذ في عمَان و هي سَتُسَهِلْ لك الادوات و السيارات التي تحتاجها للعمل، واذا تم اكتشاف شيئ ذو قيمة ستعطيها السِلَعْ و هي ستعرف كيف ترسلهم الى مصر،”

فسأل رؤوف “و نصيبي يا سيد مرقس؟”

رد بهدوء “هذه العملية ستقسم علي خمسة اشخاص، نحن الإثنين و الثلاث افراد الذين يؤلفون المجموعة،”

وضع الخارطة بجيبه و أجاب بشغف كبير كالولد الذي إلتقط لعبة جديدة بين يديه “سأبدا بالتحضيرات للسفر فورا،”

“وانا سأتصل بك لاعطيك التفصيل كاملة،” ثم اكمل محذرا “ولكن انتبه يا جنرال، هنالك عواقب لكل شيئ فلا يؤدي بك اي تفكير احمق…”

أجاب معاتبا “عيب با سيد مرقس، بحياتي لم افكر بخيانتك و انا اعلم ما هي العواقب التي تتكلم عنها،”

خرجا مرقس و رؤوف من المكتب و توجها الى الحفل في الصالات، ولكن كان الجنرال متأكدا ان ايامه معدودة، فاخبار الجاسوسة التي قتلها بقدرة قادر وصلت لمرقس، كان اسهل على مرقس و المجموعة سفك دمه بثوان على فضح اعمالهم و أمرهم للصحف و الشرطة، كان يعلم انه بمجرد ان ينتهي من رحلة الاردن سيقتلونه، و لكن لن يسمح بهذا، فتوعد لمرقس في ذاته “سأتغذا بك قبل ان تتعشى بي،”

*****

كانت مرفت في حديقة القصر محاطة بفارس خطيبها الوسيم من جهة و من الجهة الاخرى بنادية زوجة مرقس و أنجي صديقتها، كانت نادية في الثلاثين من العمر و تصغر مرقس بعشرة سنوات، هيفاء القوام جميلة ذات شعر اسود طويل و عيون عسلية جذابة كانت في هذه الليلة تتألق جمالا بالفستان الابيض التي كانت ترتديه، و العطر الوردي التي تعطرت به لمناسبة الحفل كان يفوح منها بقوة و يجعل وجودها مميزا بين السيدات الموجودات في الحفل، اما أنجي فكانت قصيرة و متينة ذات بشرة بيضاء و لم تكن تتمتع بجاذبية إطلاقا نتيجة وزنها الزائد، لذلك لم تكن تهتم بأناقتها على الإطلاق و وقوفها بجانب نادية التي كانت تتمتع بالحسن و الاناقة أبرز قلة أنوثتها و ذوق هندامها البسيط، فكانت ترتدي بذلة نسائية زرقاء و قميص ابيض، كان شعرها قصير و عيونها سوداء و وجنتيها متينة معطيةً وجهها شكل دائري طفولي،

كان الجمع منهمكا في الحديث عن تصميم قصر مرقس جمال فقال فارس مجاملا نادية بنبرة صادقة “انا معجب جدا بتصميم الفيلا فهي تحفة فنية فريدة من نوعها،”

فاجابة نادية شاكرة “ذوقك يا فارس هو الحلو، شكرا،”

“لا اجامل يا نادية بل اكلمك بصدق لدرجة انني، و بعد إذن مرفت، أفكر ان اطلب من المكتب الهندسي ان يكون تصميم الفيلا التي سنسكن فيها قريب من تصميم هذه الفيلا،”

فقالت مرفت قلقة “هذا يشرفني و لكن نرجس قالت لي ان التصميم التي تعمل عليه اشرف على الانتهاء، لكي لا نسبب المشاكل بيننا لنترك التصميم لذوق صديقتنا المهندسة نرجس حيث قالت لي أنها مفاجئة لعرسنا،”

اجابة انجي “ايضا لا تنسوا ان الناس سيقولون انكم قلدتم آل-جمال،”

ردت نادية مناقشة “لا يحق لهم قول هذا فالفن الاموي تراث و ملك للجميع،”

اجاب فارس بتنهد عميق “يا اخوة الناس ستعلق كيفما صنعنا، ألم تسمعوا بالذي تزوج و قال ان في حفل الاستقبال سأضع لكل ضيف من ضيوف الحفلة دجاجة كاملة لكي اسلم من التعليقات، و لكن بعد الحفلة خرج الناس و هم يعلقوا ان دجاجة فلان من الناس اكبر من دجاجتي، “

ضحك الجمع للقصة مع قدوم اهل مرفت الذين كانوا يتسامرون منذ برهة من الزمن على مقربة منهم مع اصدقائهم، فقالوا بشغف مبتسيمين “أخبرونا النكتة لكي نضحك معكم،”

فقالت أنجي “اما فارس خطيب مرفت فدمه خفيف بشكل غير طبيعي، كنا نتناقش…” و فجأة سمعت صوت بعيد ينادي “مولاتي…مولاتي…” توقفت انجي لبرهة و سألت “الا تسمعوا؟”

التفت الجمع يمنتا و يسارا مع قدوم مرقس اليهم و هو يسأل “عن ماذا تبحثون؟” اقترب من نادية و ضمها اليه بحنو.

فأجاب بولس “هنالك من ينادي،”

قالت نادية و هي تُؤَشِر بيدها “هنالك،” كانت في زاوية بعيدة للحديقة بوابة خلفية صغيرة، و كان رجل يتقدم ببطئ من ناحيتها و ينادي “مولاتي مرفت،”

تقدم الرجل و مر بالكشافات المضيئة ليتبين انه رجل مسن يمشي ببطئ مرتكزا على عكاز و يرتدي جلباب رمادي اللون،

فسأل بولس مرقس “هل دعوت مَلِكَة في هذا الحفل البهيج؟”

فرد باستغراب و عينيه مسلطة على الرجل المُسِنْ”لا يا بولس،”

فقالت نادية و هي تهز رأسها نادمة “هذا ما يلزمنا شحاد فقير، يبدو انني نسيت ان اغلق البوابة عندما أحضر الفندق موظفين الطعام و الشراب،”

فتجمهر الجمع الذي كان في الحديقة على صوت مناداة الرجل و بعد لحظات لحقتهم الجموع في الصالات متسائلة عن الحركة الغير طبيعية في الحديقة، اقترب الرجل من مرفت التي كانت تنظر اليه بترقب لانه كان ينادي بإسمها، وقف و يديه تهتز من التعب على العكاز، ثم ركع على الارض وسط تعجب الجميع فامتلات الاجواء بالتلهثات و التمتمات المتسائلة، احست مرفت بالخجل اذ لم تكن مليكة و بصورة عفوية تقدمت اليه و ساعدته على الوقوف قائلة “أرجوك لا تفعل هذا و ماذا تريد مني؟ انا لست ملكة،”

فاجاب الرجل بصوت ضعيف و متعب “يا بنية لو تعلمي من أي نسل إنحدرتِ و بالدماء الفرعونية الملكية التي تسري بعروقك ما تفاجئتي بافعالي،”

اقترب منها فارس و قال بصوت منخفض في أذنها “ربما يريد حسنه، اعطيه عشرة جنيهات…”

قال الرجل بنبرة استياء “لا اطلب حسنة…” و نظر الى نادية “وان كنت فقيرا أو شحاد فهذا شأني و ليس شأن البشر،”

فصرخت مرفت متسائلة “كيف سمعت هذا؟!!!” وانطلق من الجمع شلال من التعليقات و التعجبات، وأحست نادية بالصدمة، فقالت بنبرة حازمة “فان كنت لا تطلب حسنة فلماذا دخلت بيتي و بغير استأذآن؟”

صرخ مرقس في وجه الرجل محذرا “انا اقدر شيخوختك فقط و لكن ان لم ترحل و تكف مضايقة ضيوفي…”

قال الرجل مترجيا “عندي رسالة يجب ان ابلغها لجلالتها، و لاجل مصلحتها،”

نظرت مرفت بحنو الى التجاعيد حول عينيه و اطراف فمه و الى جسده الكهل، فأحست ان عمره لن يقل عن ثمانين عام، فقالت “ارجوك سيد مرقس دعه يكمل فلن يأذي أحد اذا تكلم،” فقالت مسايرة الموقف “مولاتك تسمعك” فانطلقت بعض الضحكات المسزهزئة من حولها،

“اجدادك عمروا حضارة جبارة و شيدوا المباني الشاهقة بايديهم العارية و اصرارهم على الانجاز، و سحقوا الممالك و الجيوش التي كانت تهددهم مرارا و تكرارا، فانت عالمة و تديرين متحف و تعرفين هذا،”

صاعقة من الرعب لمعت في كيان مرفت و هي تسمع حديثه، صَمَتَ الجميع عن السخرية و لم يُسْمَعْ في الحديقة بين الجموع الى حفيف اوراق الشجر و نسائم الخريف وهي تداعبب الطبيعة من حولهم برفق،

“و لكن المكتشافات التي تدرسينها وسط المتحف التي تعملين به لا تخبرك عن الافراح و الاحزان و المشاكل التي كانت عامرة في صدور اجدادك،”

نظرت مرفت الى ابويها الذي كان يخيم علي وجهيهما الخوف، ثم سألت بصوت حذر “ماذا تريد مني و كيف تعرف هذه التفاصيل عني؟”

“قدرنا ان نلتقي، اجدادك تواجهوا مع احداث مرعبة حاولت ان تغير مجرى التاريخ باكمله و لم تذكر صفحات التاريخ عنها شيئ، فاختار الله رمسيس ابن فرعون سيتي الاول لان قلبه كان نقي ليواجه هذا الشر المرعب ليقتله و يدفنه في الصحراء ذات الرمال الحمراء، و مع مرور الايام و الاشهر و لآلآف السنين بَقِيَةْ هذه اللعنة مدفونة تحت الرمال ليومنا هذا، ولكن هنالك شخصية قلبها اسود شريرة تسعى لاخراجها بكل اصرار غير واعية للموت و الهلاك التي ستجلبها معها للعالم كله،”

قال بولس باستياء متوتر “كفي! اعصابي لم تعد تحتمل، اذهب عني انت و قصصك الخرافية!”

فصرخ مرقس بصوت عال “يا صالح! يا عثمان!” فهرع اليه اثنان مفتولي العضلات من حراس الامن في الفيلا “خذا هذا الرجل و سلماه الى مركز الشرطة بسرعة،”

قالت نادية “او الى مصح عقلي فيبدو انه يُخَرِفْ،”

قالت مرفت و دموع الخوف تنهمر من عينيها “أرجوكم ان لا يأذيه احد و ارغب بسؤآله شيئا قبل ان يرحل،” فأمر مرقس رجاله ان ينتظروا،

سألت مرفت بحرقة ممزوجة مع نبرة صادقة “اذا كنت من المبروكين فقل لي ماذا و لماذا حصل معي ما حصل اليوم في الصباح”

فتقدمت جاكلين منه و قالت بقلق ” زوجي كان مسؤول كبير في الجيش، اذا انت مرسل من ناس للاستهزاء بنا من الاحسن لك ان تعترف والا ستندم،”

“لن تأذيكي،”

اقتربت جاكلين غاضبة وامسكت اكتافه و هزته بعنف بضع مرات و هي تصرخ “من هيا؟ تكلم”

فاجاب الرجل متألما “اتركيني فصحتي لا تحتمل،” ابتعدت عنه جاكلين وهو يقول “الم يقل لك يا مولاتي الضابط الذي جن منها،”

انطلقت من مرفت لهثة تعجب و امتلئ كيانها بالرعب الشديد و هي تسمع الكلمات، فاكمل الرجل بهدوء”ماضيكي لن يؤذي حاضرك، فأتت لكي يُعْطَا لك سلطانك الملوكي من جديد، ستخضع جيوش فرعون لك من جديد يا مولاتي فلا تخافي،” اخرج من جيبه ساعة رملية صغيرة و حنا ظهره واضعا اياها على الارض ثم اغلق عينيه و تمتم في سره شيئا، فلمع وميض نور من حولها لثوان و سط صراخ الجمع في الحفلة ثم كبر حجمها الى حجم متر و ابتدأ الرمل يتساقط بها،

“ابتدات المعركة منذ هذه اللحظة، الامر ليس بيدي و يدكم، فهذا الشرير قلبه اسود مثل هذه اللعنة و ستتكرر احداث التاريخ من جديد، مولاتي مرفت احترسي فقدرك سيجعلكِ تتواجهين مع قوى الشر، هم يكرهون دمك لانك من السلالة الملوكية المباشرة لزوجة سيتي الاول و التي قتلتهم وكانت صاحبت قلب نقي مثلكِ انت و أهلكِ،” ضم فارس خطيبته بشدة و الخوف مهيمن عليه و هو يسمع التحذيرات “لا تكوني ضعيفة و تقوي بالايمان بالله، مهما رأيتِ في دربك لا تخافي،” نظر الى السماء و قال “جلبهم من ثلاثة الاف و ثلاث مائة و سبعة اعوام شخصية شريرة ما ملئ عينيها و شغفها للقوة الا التراب التي دُفِنَتْ تحته، و الان تتوعد للرد و انطلقت في عالمنا من جديد لان العالم يملئه الشهوات و الشر و الحروب الطاحنة و الطمع المادي و قِلَةْ الايمان بالله، اصوات الاذان المُوَحِدَةِ مع اصوات الكنائس تجعلها تنصعر كرها للبشر و لله جل جلاله،” أحنا رأسه لها و قال مولاتي يجب ان ارحل الى بلادي، ثُمَ ادار ظهره لها و مشى ببطئ قائلا سيأخذك قدرك الى بلاد بعيدة سعيا و راء أثر مقدس يجمع بين الثلاثة اديان السماوية، تذكري لا تخافي فهذا قدرك…”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.