صحيفة الكترونية اردنية شاملة

‘شيطنة’ الخصخصة

0

نظرة المجتع السوداوية تجاه الخصخصة لم تأت من فراغ، بل عززتها ممارسات رسمية وأهلية وأفعال ساهمت في “شيطنة” الخصخصة، واعتبارها رعبا على الأمن المعيشي للاردنيين، وكابوسا يحلق فوق آفاق التنمية الاقتصادية في المملكة.
البعض ينظر للخصخصة من منظور سياسي ايدلوجي، فهو لا يؤمن بمبدأ اقتصاد السوق ، ويرى أن الدولة هي صاحبة الولاية في إدارة الشأن الاقتصادي، وهذا يستند إلى منظور اشتراكي بالأساس، ويحمل وجهة نظر صحيحة، حسب معتقداتهم.
آخرون ينتقدون الخصخصة في الاردن باعتبارها شرطا من شروط صندوق النقد الدولي، وأن تنفيذها جاء في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها الاردن، جعلت من الحكومات لا تملك أية مرونة في تطبيقها، على العكس، جعلت الحكومات تهرول نحو الخصخصة، لتوفير عوائد من أجل سداد الدائنين، وتوفير أموال لتمويل نفقاتها المتزايدة، وهذا يحمل وجهة نظر تستحق النقاش.
رأي آخر يستند في رفضه للتخاصية على أنها أداة تستخدم من قبل فئة من المتنفذين السياسيين والاقتصاديين لسلخ الدولة عن أصولها، وإضعافها اقتصاديا، تمهيدا لفرض حلول سياسية اقليمية عليها، وهذا أيضا رأي يستحق النقاش.
لكن هناك من يؤمن بالتخاصية لكن يرفض تطبيقاتها في الاردن، بسبب مخالفاتها القانونية والمالية والادارية من جهة، وإبخاسها لحقوق الاردنيين والخزينة من جهة أخرى.
وهذا ما دللت عليه ممارسات التخاصية في بعض الشركات التي تأكد للشارع أنها خصخصتها تمت بطرق غير قانونية، وخالفت كل قواعد الشفافية وأصول الحوكمة، وفيها شبهات دستورية ، كما حدث في التعدين والكهرباء وأمنية.
وهناك من ينتقد التخاصية باعتبارها وسيلة لم تعزز عملية التنمية في الاردن، وعوائدها ذهبت أدراج الرياح في مشاريع لم تولد قيمة مضافة عالية على الاقتصاد، وساهمت بخلق ازدواجية في الإنفاق الرسمي، إذ تبين أن 200 مليون دينار من عوائد التخاصية أنفقت خارج إطار الموازنة العامة.
إلا أن أكبر نقد وجه للتخاصية في السنوات الاخيرة كان يستند أساسا على استخدام عوائدها خاصة المتعلقة بصفقة نادي باريس التي استهلكت 1.5 مليار دينار من أصل 1.7 مليار دينار هي مجمل عوائد التخاصية في المملكة، أو ما نسبته 86 في المئة من تلك العوائد، حيث استخدمت هذه الأموال لتلك الصفقة التي كانت بهدف خفض المديونية، وفعلا انخفض الدين الخارجي بقيمة تناهز الثلاث مليارات دولار، وبلغت حينها نسبته من الناتج المحلي الاجمالي نحو 33 في المئة، لكن للأسف عادت المديونية للارتفاع الجنوني بعد شهور قليلة من بوابة الدين الداخلي، ما أفقد الاثر الايجابي لصفقة نادي باريس على عملية خفض الدين، وهذا سببه ليست التخاصية، بل سببه فشل السياسات الحكومية في ضبط إنفاقها ومعالجة مديونيتها، ما زاد من احتقان الشارع.
حتى السياسات الحكومية ساهمت في شيطنة الخصخصة، فغياب الرؤية الإعلامية الوطنية المسؤولة وتقديم المعلومات الدقيقية وفي وقتها عن كل ما يحدث بالتخاصية، لا بل التستر بالمعلومة عن بعض القضايا ساهم هو الآخر في زيادة سوداوية نظرة المجتمع الى الخصخصة.
في النهاية تبقى الخصخصة سياسة اقتصادية واجتماعية جرى تنفيذها بالاردن على مدى عقدين من الزمان، حملت في طياتها الكثير من الألم للاردنيين، لكن في المقابل كان لها أوجه مشرقة في عدد من المشاريع التي تم خصخصتها وفق أصول وقواعد ساهمت بتعظيم الاستفادة للاقتصاد الاردني، من خلال استقدام الخبراء والتكنولوجيات والكفاءات الادارية في قطاعات كانت بأمس الحاجة للاستفادة من تجارب الآخرين.
[email protected]
[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.