صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الإنترنت تغيّر وجه الاقتصاد الصيني

0

خلال الأشهر القليلة الماضية أصبح من المستحيل التأشير لسيارة أجرة في ساعة الذروة في بكين. فبدلاً من التوقف للأذرع الممدودة، يقوم السائقون بمطاردة الجوائز الثرية: مستخدمو الهواتف الذكية الذين قاموا بتنزيل تطبيق يدفع لكلا الطرفين مقابل الركوب.

وتعمل هذه التطبيقات على إعطاء حسم للراكب وبقشيش للسائق. وتُساعد سائقي سيارات الأجرة الذين طالما اشتكوا من أن الأسعار منخفضة بشكل مصطنع بأمر الدولة. فالعديد منهم لن يقوم بتحميل الركاب في ساعة الذروة ما لم يتم طلب السيارة عن طريق الإنترنت. ومع تلك التطبيقات، أصبح بإمكان المستخدمين تقديم بقشيش إضافي مقدماً، الأمر الذي يوجد سعر سوق لسيارة الأجرة لم يكُن موجوداً من قبل.

وهناك اثنان من التطبيقات المتنافسة قامت بتنفيذهما تكتلات الإنترنت الصينية المنافسة. وبالنسبة للوقت الحاضر، فإن المستهلكين والسائقين هم مَن يجني الثمار. لقد أنفق تطبيق ديدي داتشي (تاكسي التزمير) وتطبيق كوادي داتشي (التاكسي السريع) الملايين من أموال مستثمريهما.

وسيارات الأجرة الرخيصة ما هي إلا غنيمة الحرب الجديدة بين ثلاثة عمالقة إنترنت في الصين، المعروفة بشكل جماعي باسم بات BAT – اختصاراً لشركة بايدو، محرك البحث المُهيمن، وشركة علي بابا، التي تسيطر على 80 في المائة من التجارة الإلكترونية في الصين، وشركة تينسينت، مجموعة الألعاب ووسائل الإعلام الاجتماعية القوية التي تبلغ قيمتها السوقية 132 مليار دولار. وبالنسبة لوانج ران، وهو كاتب مدونات ومؤسس بنك تشاينا إي كابيتال الاستثماري، المنافسة بين تطبيق شركة تينسينت، ديدي، وتطبيق شركة علي بابا، كوادي، هي “المعركة الأولى في حرب الإنترنت العالمية الأولى”.

ولعدة أعوام كانت هذه المجموعات – كل منها يستقر بشكل مريح ضمن قائمة أكبر عشر شركات إنترنت في العالم – راضية بتعزيز احتكاراتها العادية بسلام. لكن في الأشهر الستة الماضية اشتركت في نوبة من عمليات الاستحواذ لتنافس بعضها بعضاً تماماً في كل سوق يمكن تخيّلها.

وتوسُّع المجموعات يُسلط الضوء على الثورة السريعة في سوق الإنترنت الصينية، وهي مصدر ثروة وقوة تتحدى اقتصاد البلاد الذي تقوده الدولة بشكل تقليدي.

وهناك عاملان أحدثا هزة في عالم الإنترنت المريح في الصين. الأول هو أن شركات الإنترنت أصبحت من أكبر شركات القطاع الخاص في الصين من حيث الرسملة والإيرادات، فهي تسبح في بحر من الأموال. والآخر هو أن وصول الإنترنت عبر الهاتف الجوال أعطاها شيئاً لتتنافس عليه. ونحو نصف مليار صيني يستخدمون الهواتف الذكية التي تُكلّف مبالغ قليلة يمكن أن تصل إلى 50 دولاراً لكل واحد حتى يتمكن من الدخول على الإنترنت.

ويقول آرثر كرويبر، من مجموعة البحوث جافيكال دراجونوميكس: “من قبل كان لكل واحدة من هذه الشركات مجالها المميز، لكن مع وصول الإنترنت عبر الجوال أصبح هناك مزيد والمزيد من الالتقاء عند أنموذج واحد، وبالتالي المزيد من مجالات التداخل. ذلك هو مكان خطوط المعركة الآن”.

لقد تمت معظم عمليات الاستحواذ الجديدة مع أخذ الهاتف الجوال في الحسبان. فقد دفعت شركة بايدو 1.9 مليار دولار في تموز (يوليو) مقابل تطبيق “91 وايرليس”، وهو عبارة عن متجر تطبيقات تم تصميمه لإعطائها ميزة مع مستخدمي الهواتف الجوالة. وشركة علي بابا لديها حصة غير معلنة في “يو سي ويب”، متصفّح الإنترنت الأول عبر الهاتف الجوال في الصين. كذلك قدمت شركة علي بابا الشهر الماضي عرضاً بـ 1.6 مليار دولار لشركة أوتونافي هولدينجز، لخدمة الخرائط، الأمر الذي سيسمح لها بالمواجهة المباشرة مع تطبيق خرائط الهاتف الجوال من شركة بايدو.

وبعد تسعة أيام من ذلك قالت شركة تينسينت إنها ستأخذ حصة بنسبة 20 في المائة في ديانبينج، وهو موقع لتصنيف واستعراض أشهر المطاعم في الصين. وفي العاشر من آذار (مارس) استحوذت تينسينت على حصة بنسبة 15 في المائة في شركة جيه دي دوت كوم، وهي أكبر شركة تجارة إلكترونية بعد علي بابا. ومنذ ذلك الحين قالت تقارير إعلامية: إن تينسينت تناقش صفقة لدمج أعمالها الخاصة بالفيديو عبر الإنترنت مع شركة سوهو، ثالث أكبر منصة فيديو في الصين.

وتقول جينا كيان، من شركة كونار، أكبر موقع إلكتروني للسفر في الصين من حيث الحركة، والتي هي مملوكة جزئياً من شركة بايدو: “يجري الآن تقارب في المجالات. فهذه الشركات تتنافس لتكون تجربة المستخدم الأكثر ملاءمة، وهناك هذا الخوف: إذا لم أقم بتوفير خدمة السفر عندها ستقوم تينسينت، أو جهة أخرى بفعل ذلك”. وتضيف: “قد يكون هؤلاء الرجال سعداء بالجلوس هناك مع احتكاراتهم الافتراضية والهوامش الضخمة، لكن ذلك لن يدوم فترة طويلة للغاية، ولهذا السبب ترى هذا الاندفاع الكبير”.

ويقول وانج، من شركة تشاينا إي كابيتال، إن المجموعات الثلاث تريد أن تصبح في كل مكان من خلال احتكار كل جوانب الحياة اليومية التي يمكن تصوّر وضعها على شبكة الإنترنت وبيعها للجمهور. وكتب: “المجموعات الثلاث BAT تريد أن تكون معك 24 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، وتريد التعرّف عليك (…) إنها تريد امتلاكك”.

وأصبح عمالقة الإنترنت في الصين ما تدعوه المحللة آن ستيفينسون – يانج، من شركة جيه كابيتال للبحوث، بـ “تيك كيريتسوس”، في إشارة إلى الشركات الأبطال الوطنية التي هيمنت على اقتصاد اليابان في القرن العشرين من خلال امتلاكها مصالح ضمن صناعات متعددة. وتقول: “عندما تكون الشركات بهذا الحجم الكبير في الصين، يصبح الفرق بين العامة والخاصة منها ليس بتلك الأهمية. من الناحية العملية أصبحت هذه الشركات وزارة الإنترنت”.

وبدأت مجموعات BAT أيضاً بالتوّسع في الجانب ذي الطابع التقليدي في الاقتصاد، مع طموحات لترشيد بعض القطاعات المملوكة للدولة غير الفعّالة، مثل خدمات سيارات الأجرة. وأكبر الجهود كانت في الخدمات المالية، حيث بدأت شركة علي بابا هذا الاندفاع في الخريف الماضي، عندما قامت بتأسيس أحد الصناديق المشتركة، يويباو. وكانت تدفع ضعف سعر الفائدة على الودائع في البنوك الصينية، الذي حددته الدولة. وزعمت في آذار (مارس) أنها اجتذبت أكثر من 500 مليار رنمينبي (81 مليار دولار) في تسعة أشهر. وتقوم شركة تينسينت بتقديم صندوق مشترك مماثل يُسمى ليكايتونج. كذلك فعلت شركة بايدو، من خلال صندوقها بايدو لإدراة الثروات.

مع ذلك، تمت مقاومة الجهود لتعزيز الأعمال أكثر في مجال الخدمات المالية. فقد قام البنك المركزي في الأسبوع الماضي بتعليق العمل ببطاقات ائتمان “افتراضية” أصدرتها كل من علي بابا وتينسينت، إضافة إلى مدفوعات عبر الهاتف الجوال تمت عن طريق رموز شريط مسح. ويقول دنكان كلارك، رئيس مجلس إدارة شركة استشارات الاتصالات “بي دي آيه تشاينا”: “القطاع المصرفي خط أحمر بدأت هذه الشركات بتجاوزه. عملياً لا يوجد أي تنظيم على النشاطات التي تتم عبر الإنترنت، بينما خارج الإنترنت التنظيم في غاية التعقيد والتشابك إلى درجة أنه يعيق النشاط. فكر في أكثر مجالات الاقتصاد الصيني افتقاراً إلى الكفاءة وهذا هو المكان الذي ستصبح فيه هذه الشركات أكثر فاعلية”.

إن سمعة عدم الكفاءة التي يتسم بها القطاع الحكومي الذي لا يزال يسيطر على معظم الاقتصاد، توجد فرصاً. وقال روبن لي، رئيس شركة بايدو، في كانون الثاني (يناير): “بالنسبة لنا لم يكُن اقتصاد سوقنا موجوداً إلا منذ بضعة عقود من الزمن. لم تكُن صناعاتنا التقليدية مكتملة النمو قبل أن تصلها الإنترنت”.

وأحد الأمثلة على ذلك يوجد في قطاع التجزئة. فقد جادل جاك ما، رئيس مجلس إدارة علي بابا، في الفترة الأخيرة بأنه على عكس المتسوقين في الولايات المتحدة الذين يعتبرون التجارة الإلكترونية “نوعاً من التحلية” بعد متاجرهم الرئيسة الموجودة في السوق، العديد من الصينيين يعتبرون المواقع الإلكترونية التابعة لعلي بابا، مثل تيمول وتاوباو، الخيارات الواقعية الوحيدة. وقال: “لأن البنية التحتية للتجارة سيئة جداً في الصين، أصبحت التجارة الإلكترونية بمثابة الطبق الرئيس”. ويتوقع في نهاية المطاف أن تصل نسبتها إلى 30 في المائة من إجمالي استهلاك التجزئة، مقارنة بـ 6 في المائة اليوم.

وحتى الآن تم توليد معظم الثروة الخاصة في الصين عن طريق الوصول للقطاعات الحكومية، لكن “الإنترنت” تقوم بتغيير ذلك. فعندما ارتفعت أسهم شركة بايدو المُدرجة في بورصة نيويورك، أصبح روبن لي أغنى رجل في الصين في كانون الأول (ديسمبر)، بثروة بلغت 12.2 مليار دولار، وفقاً لتقديرات مؤشر أصحاب المليارات من بلومبيرج. وبعد شهر من ذلك، تفوّق عليه بوني ما، رئيس شركة تينسينت، بوصوله إلى 13 مليار دولار بعد ارتفاع في أسعار أسهم تينسينت. ووفقاً لتقديرات بعض المحللين، لا يزال بإمكان جاك ما، رئيس شركة علي بابا، احتلال المرتبة الأعلى بمجرد انتهاء شركته هذا العام من عملية الاكتتاب العام الأولى التي طال انتظارها في نيويورك، ومن المتوقع أن تصل قيمة الشركة إلى 200 مليار دولار.

مثل هذه التقييمات الضخمة أثارت الدهشة. شركة علي بابا التي تحقق الجزء الأكبر من عائداتها عن طريق بيع الإعلانات على مواقعها الإلكترونية للباعة المتوقعين، لا تنشر إلا أقل القليل من المعلومات. وتقوم شركة ياهو الأمريكية التي تملك في علي بابا حصة نسبتها 24 في المائة، بالإفصاح عن أربعة أرقام فقط في كل ربع من العام بدون أي تفاصيل مرفقة: وهي أرقام المبيعات، والأرباح الإجمالية، والأرباح التشغيلية، وصافي الأرباح. ويقول أحد المحللين: “أرقام شركة علي بابا التي يتم التحدث عنها كبيرة جداً نظراً لقلّة ما نعرفه عنها”.

كذلك يقول موقعا شركة تينسينت، “كيو كيو” و”وي تشات”، إن عدد مَن لديهما من المستخدمين الفعّالين يبلغ 815 مليوناً و271 مليوناً على التوالي، وفقاً لنتائج الربع الثالث من العام الماضي. لكن مركز معلومات شبكة الإنترنت الصينية، وهو جزء من وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، حددّ إجمالي مستخدمي الإنترنت بـ 618 مليون مستخدم فقط.

وتبدو المضاعِفات الضخمة لأسهم شركات الإنترنت الصينية صغيرة، مقارنة مع بعض نظيراتها الأمريكية الأقل أهمية منها بكثير. لكن يرجع الفضل جزئياً لتوقف عدم الثقة في صناعة الإنترنت العالمية، في جعل مجموعات الإنترنت في الصين هي أكبر الشركات الخاصة في البلاد من حيث القيمة السوقية.

والفرق بين الشركات الخاصة والعامة غير واضح في الصين. فالقطاع الخاص لا يخلو من سيطرة الدولة، والمستثمرون الأجانب يواجهون صعوبة في ممارسة النفوذ، إضافة إلى أن الشركات الكبيرة لا تستطيع الهروب من مدار البيروقراطية.

وتقول ستيفينسون ـ يانج: “هناك نوعان من الشركات الخاصة في الصين؛ الشركات الصغيرة جداً وذات المستوى المنخفض التي تعتبر غير معروفة. لكن بمجرد نمو الشركة لحجم معين، عليها مواءمة مصالحها مع المؤسسة السياسية وإلا لن تتمكن من البقاء”.

وكل منهما يبدو أنه ينمو ليصبح إقطاعية زائفة. فشركة تينسينت مقرها في مدينة شينزن الجنوبية وعلي بابا في هانجتشو، ويتركز تكتل الشركات في مكان قريب في شنغهاي. أما شركة بايدو فتحتل الشمال، ومقرها في بكين. وتقول ستيفينسون ـ يانج: إن هذا يعكس التوزيع العام للسلطة في الصين، مع جماعات سياسية إقليمية متنافسة. وتضيف: “أن الأعمال مرآة للبيروقراطية”.

كل واحدة من المجموعات الثلاث الكبيرة هي كبيرة جداً، ومرتبطة سياسياً، وحيوية جداً للاقتصاد الصيني، حيث إن بقاءها مؤكد. وقام أحد العاملين في إحدى الشركات بتشبيه مجموعات BAT بأنها أوشانيا، ويوراسيا، وإيستاسيا، وهي الدول العظمى في رواية جورج أورويل “1984”، التي هي كبيرة جداً بحيث لا يُمكن هزيمتها أبداً في الحرب.

ولأعوام قامت علي بابا بحجب مواقعها عن زواحف الإنترنت في شركة بايدو، لأنهم كانوا ينافسون على البحث. لكن المنطق تحوّل مع ظهور تطبيق التراسل الشائع، وي تشات، من شركة تينسينت الذي يعتبر تهديداً رئيساً لمنصة التجارة الإلكترونية في شركة علي بابا. والآن أصبحت زواحف شركة بايدو موضع ترحيب على مواقع علي بابا الإلكترونية. ويقول موظف: “في يوم ما تكون أوشانيا في حرب دائمة مع يوراسيا، بينما في اليوم التالي تكون أوشانيا حليفة دائمة ليوراسيا”.

ولا يبدو أن تأثير الإنترنت المُحرّر سيمتد إلى السياسة. فقد انسحب أحد أصحاب مشاريع الإنترنت من مقابلة عندما سُئل عن “الجدار الناري العظيم” والرقابة واسعة الانتشار. وكما يقول محلل غربي: “إنهم يدركون أنهم يجب ألا يقولوا أي شيء عن السياسة أو التنظيم. ببساطة ليس هناك جانب إيجابي في ذلك”.

ومعظم الشركات الكبيرة في الصين استفادت من “الجدار الناري العظيم”، الذي يقوم بحجب منافسين غربيين مثل تويتر وفيسبوك، وأحياناً جوجل، لكن يبدو أن هذا يتغيّر. فقد أصبحت العلامات التجارية الكبيرة للإنترنت في الصين الآن كبيرة بما فيه الكفاية بحيث إن المنافسة الأجنبية لا تشكل تهديداً لها، في حين أن أسعار أسهمها يمكن أن تستفيد من إنترنت أكثر حرية وأكثر انفتاحاً.

وفي الوقت الذي تنمو فيه هذه الشركات وراء حدود الصين، فإن الرقابة قد تجعلها عُرضة للدعاوى القانونية.

يقول مايكل أنتي، وهو صحافي صيني: “إذا أرادوا التوّسع في الخارج، سيصبح “الجدار الناري العظيم” عائقاً بالنسبة لهم وليس حماية. لكن لا تتوقع أن يبدأ هؤلاء الرجال بالقتال. فهذه هي الصين، وإذا تعاونتَ مع المؤسسة الحكومية بإمكانك جني أموال أكثر بكثير مما لو كنت تحارب ضدها. حتى مايكروسوفت وياهو متعاونتان، فلماذا ينبغي أن تتوقّع من بعض الرجال الصينيين ألا يفعلوا ذلك؟ لن يعترضوا إلا إذا أصبحت تراخيصهم مكلفة جداً”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.