صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مجلس النواب ينقلب على نفسه . . !

0

اشتهر مجلس النواب السابع عشر منذ ولادته قبل عامين ، بمواقفه الاستعراضية تحت قبة البرلمان وأمام كاميرات التلفزيون . فنستمع إلى خطابات أعضائه ونُعجب بما تفيض به من حكمة واتزان . ولكن عندما تحين لحظة الحقيقة لقول كلمة الفصل ، تتبدل المواقف ويظهر أن ما تبطنه الكلمات لا يتساوق مع ما يسمعه الناس . فكم مرة هدد بعض النواب بطرح الثقة برئيس الحكومة ، ولكن تهديداتهم تلاشت بعد بضعة أيام كسحابة صيف عقيمة . وكم مرة قدم بعض النواب استقالاتهم من المجلس ، ولكنهم تراجعوا عنها تحت سطوة الجاهات والإغراءات المختلفة ؟
يبدو أن مطالب النواب التي تُعرض للنقاش ، تتم بصورة عشوائية دون دراسة كافية . والمثال على ذلك يتجلى في المطالب الأخيرة التي تقدم بها النواب خلال الاسبوع الماضي ، حيث انعكست نتائجها عليهم بصورة سلبية أفقدتهم ثقة ناخبيهم ، وعززت موقف الحكومة التي سعوا لإسقاطها . فبعد تقديم مذكرة وقّع عليها عدد كبير من النواب ، تضمنت مقترحات محددة إلى رئيس المجلس ، تسلل الكثيرون منهم فيما بعد إلى مكتب الرئيس نفسه وسحبوا تواقيعهم ، في عملية انقلاب مشهودة على مواقفهم السابقة .
خطب نارية أطلقها النواب تحت قبة البرلمان خلال جلساتهم سالفة الذكر إثر حادث استشهاد القاضي الأردني رائد زعيتر ــ رحمه الله ــ على أيدي الجنود الإسرائيليين . وتوعد أصحاب تلك الخطب بطرح الثقة بالحكومة إذا رفضت الاستجابة لمطالبهم ، والمتمثلة بإطلاق السجين أحمد الدقامسة ، طرد السفير الإسرائيلي من عمان وسحب سفيرنا من تل أبيب ، وإلغاء معاهدة وادي عربة .
وردا على تلك المطالب أجابهم رئيس الحكومة الدكتور عبد الله النسور بلاءات ثلاث ، رافضا الانصياع لها باعتبارها مطالب غير منطقية . وإذا ما دققنا في تلك المطالب من وجهة نظر مسؤولة دون انحياز لأي طرف ، فسنجد أن أول مطلبين قابلين للتنفيذ بصورة أو بأخرى . أما المطلب الثالث وهو إلغاء معاهدة وادي عربة ، فهو مطلب مستحيل في الوقت الحاضر ، لأن المعاهدة وافق عليها مجلس الأمة الأردني في حينه ، وكذلك وافق عليها الكنيست الإسرائيلي في الوقت نفسه ، وأصبحت خاضعة للقواعد والأسس الدولية ، وهي موثقة في أرشيف الأمم المتحدة حاليا .
وعليه فإن إلغاءها يعني التحول إلى حالة حرب مع إسرائيل ، ويصبح الحد الفاصل بين الدولتين في وادي عربة ، خطا للهدنة قابلا للاختراق من الجانبين ، إضافة لإشكالات المياه . وهذا الوضع قد يثير التوتر على الجبهة ، في وقت يميل به ميزان القوى العسكرية لصالح إسرائيل . من المؤكد أن هناك إجحاف بحق الأردن في بعض بنود المعاهدة ، ومن حقنا المطالبة بتعديلها بما يتناسب ومصالحنا الوطنية . فالحكمة تقتضي تجنب المواجهة العسكرية غير المتكافئة مع العدو ، في ظل تردي الأوضاع العسكرية والسياسية والاقتصادية في جميع الدول العربية . إنني لست سعيدا بهذا الحال ، ولكنها الحقيقة المؤلمة التي نعيشها بكل ثقلها في هذا العصر ، راجيا الله أن تتضافر جهود الأمة العربية لتصنع قوتها الفاعلة وتثأر لكرامتها المهدورة .
على أي حال ، جري التصويت في معركة طرح الثقة بالحكومة يوم الثلاثاء الماضي بناء على إصرار النواب ، بعد أن رفض رئيسها الاستجابة لمطالبهم ، باعتبارها تهدد مصالح الأردن الوطنية العليا . كانت النتيجة أن خرج رئيس الحكومة ظافرا من هذا الاختبار ، فتعززت الثقة بحكومته وأمدت بعمرها لفترة أطول مما كان متوقعا ، بدلا من إسقاطها فوق مقاعد النواب . حدث كل ذلك نتيجة لانقلاب الكثيرين من النواب على مواقفهم السابقة . كان على النواب إجراء تقديرٍ للموقف المتعلق بطلباتهم ، على ضوء الأوضاع السائدة محليا وإقليميا ، لمعرفة ما يمكن تنفيذه من مطالبهم ، قبل إقدامهم على التصويت بطرح الثقة بالحكومة ، والمتاجرة بدم الشهيد لأغراض سياسية .
إن هذا المهرجان النيابي البغيض يذكرني بقصة رمزية متداولة ، ينتمي ابطالها إلى عالم الحيوان ، وملخصها كالتالي : جرى نقاش حاد في ديوان أكابر الحيوانات الأليفة حول مسألة ” إخفاء حمامة جريحة ” بعيدا عن عيون الحيوانات المفترسة . فارتفع صوتً فوق بقية الأصوات سائلا : ومن سيخفيها ؟ عمّ الصمت وتبادل الحضور نظرات التردّد ، حتى كسر الحمار حالة الصمت وقال بصوتٍ جهوري : تاريخنا مُشرِقً ولا يستطيع أحد أن يحجب نور الشمس بغربال . فضجّت القاعة بالتصفيق ، إلى أن استأنف الحمار حديثة بهدوء قائلا : رغم هذا فأنني لا استطيع إيواء الزميلة لأن ذلك يخلّ باتفاقيتي مع الدبّ .
تشجّع الغزال وقال : أنا أيضا على عهدٍ مع النمر وإيواء الحمامة يشكل عبئا فوق طاقتي . ثم نهضت الدجاجة والدمعة تكاد تسيل على خدها حزناً وقالت : ذهب زوجي إلى ديار الثعالب لإبرام اتفاقية معها ، ومساعدتي للحمامة ستؤثر سلباً على صفقتنا المقبلة ، ولهذا أناشد أشراف العالم أن يساعدوا حمامتنا الغالية وزوجي المسكين .
عاد الصمت يخيم على الحضور من جديد ، حتى قال الخروف : زملائي الأكارم ، كلكم تعلمون العهد الذي بيني وبين صديقنا الذئب وأنا لست بأفضل حال منكم . لذا أقترح عليكم إيواء الزميلة ” حمامة ” كأمانة عند الأسد ، وبذلك نضمن لها مسكنا مريحا لا يقربه أحد . أعجب الحضور بالفكرة المطروحة ، وصوتوا بالإجماع على أنها ” فكرة عبقرية ” ثم شرعوا بتنفيذها فورا وأودعوا الحمامة الجريحة في عرين الأسد ، الذي وفر لها الحماية من المفترسين . . !

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.