صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الحكومة المؤقتة تهادن الثورة المضادة (2)

0

توقفنا فى المقال السابق عند عدد من الجوانب التى تتحكم فى الرؤى السياسية لبعض المسئولين الكبار فى الدولة.. واليوم نكمل الحديث..
إن إقدام رئيس وزراء مكلّف على مثل هذه التكليفات المخلة بنزاهة منصب الوزير تعنى واحدة من اثنتين: إما انه لا يعرف دستور البلد الذى كان يوشك أن يشارك فى حكمه بتولى منصب تنفيذى رفيع وهى مصيبة، أو أنه يعرف ولكنه لا يهتم لا بالدستور ولا بنزاهة المنصب العام كليهما، وهى مصيبة اكبر.
مثل رئيس مجلس الوزراء هذا لا ينتظر منه أن يسهر على الانتقال إلى الحكم الديمقراطى السليم، وعماده سيادة القانون، و ما يفرض عليه أن يحفظ قسمه عند تولى المنصب.
كما أن بعض تكليفات رئيس الوزراء وتعيينات الرئيس المؤقت الوزارية، وقد تأكدت على الرغم من معارضة كثيرين لها، تعود بنا فعلا إلى عصر أحمد نظيف، مثلا وزيرة القوى العاملة كانت وكيلة وزارة عينتها وزيرة فى وزارة أحمد نظيف، واشتهرت بواقعة تقبيّل يد سوزان مبارك فى العلن، وكانت متهمة فى قضية موقعة الجمل، ووزير المالية كان الساعد الأيمن للمجرم المدان والهارب يوسف بطرس غالي، وزير مالية مبارك.
وعن قوام الوزارة، فقد أبقى رئيس الوزارة على التشكيل المتضخم الذى كان من سوءات وزارة الببلاوي. وعندما حاول التقليل من عدد الوزارات سلك سبيل دمج الحقائب الوزارية بما لم يقنع أحد، حتى اسند ثلاث حقائب وزارية غاية فى الأهمية لوزير مزمن من عصر ما قبل الثورة لم يثبت كفاءة استثنائية فى أى وزارة تولاها.
وقد كان أولى به فعلا تقليل عدد الوزارات بصورة منطقية لخفض تكلفة الوزراء والحكومة عامة. لكنه اكتفى بالشعارات العامة لاستمالة البسطاء، وعلى رأسها القرار المستخف بالعقول والذى بدأ الإعلام يطنطن به عن منعه المياه المعدنية بمجلس الوزراء، فى حين أن المطلوب حملة تقشف صارمة للحكومة كلها، لضغط الإنفاق الحكومي، بينما ركز على مطالبة الناس بالامتناع عن ما سماه »الاحتجاجات الفئوية» من دون أن يقدم وعودا محددة لدرء المظالم الحقيقة التى يعانى منها غالبية شعب مصر من المستضعفين.
وقد التحق بهذه الطريقة بحميع رؤساء وزارات مصر بعد الثورة الشعبية، متجاهلا أن تسمية »الاحتجاجات الفئوية« ابتدعت تحت الحكم التسلطى منذ ما قبل اندلاع الثورة الشعبية العظيمة للتقيلل من أهمية وقيمة حركات الاحتجاج الشعبي، ولتبرير عدم اهتمام السلطة الحاكمة بها، والتنصل من واجب الاستجابة لها، ولكنه، تماما كسابقيه من رؤساء الوزارات بعد الثورة، لم يفقه كما لم يفقهوا، حقائق ثلاث جوهرية، الأولى: أنها حركات الاحتجاج الشعبي، وهذه هى تسميتها الصحيحة، لأن أى فئة مهنية أو حرفية هى قسم من الشعب لها حقوق على الحاكم يضمنها الدستور، ومن حقها أن تطالب بها بشتى الوسائل السلمية، خصوصا إن تأخر الوفاء بها. والثانية: أن حركات الاحتجاج الشعبى ستبقى ما بقيت الدوافع لها قائمة، ولا يمكن أن تختفى بمعسول الكلام المنمق بل تحتاج لإجراءات محددة يشعر بها الناس فى حياتهم اليومية.
اما الحقيقة الثالثة والتى لا يملك رئيس الوزارة أن يتجاهلها، ويدهشنا أنه لم يفطن لها جميع رؤساء الدولة ورؤساء الوزارة بعد الثورة الشعبية العظيمة، فهى أن تعاظم حركات الاحتجاج الشعبى كان السبب المباشر فى إقالة جميع رؤساء الوزارات السابقين، من أحمد نظيف إلى حازم الببلاوي، بل كانت أحد الأسباب الرئيسية لإسقاط اثنين من رؤساء الدولة حتى الآن. فلم لا يتعظون؟ كما أن السيد رئيس الوزراء لم يعلن برنامجا يمكن مناقشته فيه، ويمكن اعتباره نقلة نوعية على أداء الوزارة السابقة التى كان عضوا فيها، مكتفيا بخطاب إنشائى لا يغني، ما يؤكد ما ذهبنا إليه آنفا من أن كل المطلوب منه هو تمهيد الساحة لصعود الحاكم الجديد ومن يدرى فقد يلقى حينئذ مصير سلفه، أى الإقالة حرمانا له من شرف الاستقالة.
لقد تضمنت تعهدات ابراهيم محلب عدة وعود إنشائية هي: فرض الأمن، ومحاربة الإرهاب، وتوفير حلول عاجلة تلبى المتطلبات الأساسية للحد الأدنى من المعيشة الكريمة، فى ضوء الإمكانيات المتاحة، والاهتمام بالمشروعات القومية، وعلى رأسها مشروع تنمية قناة السويس، وعلاج الاختلالات الهيكلية فى الاقتصاد، وتوفير مناخ سياسى وديمقراطى محايد، وإجراء إصلاح فى الجهاز الإدارى للدولة، ومكافحة الفساد، وإحداث توازن فى علاقات مصر الدولية، لاحظ الغياب شبه المطلق لمطالب الثورة الشعبية وعلى رأسها القصاص لشهداء الثورة ومصابيها، وضمان حقوقهم، وتحقيق العدالة الاجتماعية، واستعادة الأموال المنهوبة من دم الشعب. ولاحظ ايضا تقييد ضمان العيش الكريم بالإمكانات المتاحة، بينما كثير من الإنفاق الحكومى مُبذّر، كما تجاهلت الوزارات المتتالية، شاملة الحالية، جميع الإجراءات التى تضمن توافر موارد إضافية، خلاف الاقتراض والاستجداء.
وهذه الوعود، إضافة إلى صياغتها الإنشائية الفصيحة، والخالية من أى أهداف محددة يمكن مساءلته عنها فيما بعد، تتجاوز الأفق الزمنى القصير بالتعريف لهذه الوزارة، ما ينم عن استحالة تحققها فى الأفق الزمنى المنظور لهذه الوزارة، او استعمالها لمجاسبة وزارته عن أدائها.
ولنا ان نتساءل: أحقا يمثل منع المياه المعدنية فى مجلس الوزراء قرارا يليق برئيس وزارة يتولى وبلد يعانى ازمات طاحنة.. ويكون هذا أول قراراته؟!! ويلحق بهذا القرار أول أفعاله بعد توليه المنصب التى أبرزها الإعلام بدون داع زيارة مجمع استهلاكى وكمين أمني، والتى تنضح بالشعبوية الفجة والتظاهر الإعلامي، وبالقطع لا تمثل مهام لرئيس وزراء وبلده بحاجة لتخطيط استراتيجى ومتابعة شاملة وجادة.
ولكن بوادر التهادن مع الثورة المضادة أو مناصرتها لا تقف للأسف عند الوزارة الجديدة، وإنما تمتد لجميع مؤسسات السلطة المؤقتة الراهنة، فالرئيس المؤقت أصلا مسئول مسئولية تامة عن الوزارة التى عينها، وقد أشرنا لتجاوزات اجهزة الأمن فى حق المواطنين فى مقال سابق. ولا يسلم الإعلام، بحق فى نظري، من تهمة الاتجاه الواحد وإقصاء الرأى المعارض حتى تواتر أن القمع الفكرى والبطش الأمنى عادا لسابق عهدهما فيما قبل الثورة، كما أن هناك إشارات مقلقة من ساحات العدالة تشمل تبرئة جميع المتهمين بقتل وإصابة المتظاهرين من رجال الشرطة وصدور حكم قضائى برفض دعوى لاسترداد الأموال المنهوبة فى عصر مبارك.
وهذه لا ريب مظالم شنعاء أيا كانت المبررات لها ينبغى على سلطة الحكم المؤقتة شاملة الوزارة الحالية، وعلى سلطة الحكم المقبلة، ان تقدم لها حلولا ناجعة إن شاءت ان تحظى برضا الشعب وتتجنب تبعات سخطه المشروع.
الأهرام

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.