صحيفة الكترونية اردنية شاملة

هل سيؤمن البرنامج النووي طاقة آمنة؟

0

المشروع النووي الذي يتبناه رئيس هيئة الطاقة الذرية الدكتور خالد طوقان ، خلق جوا من الانقسام في المجتمع الأردني . فهناك من يؤيده وخاصة من الجانب الرسمي ، وهناك من يعارضه من جانب العلماء والناشطين والمجتمعات المحلية ، وكل طرف له حججه وأسبابه .

والاقتناع بالمشروع أو عدمه يعتمد على معلومات فنية تقدمها هيئة الطاقة الذرية ، فيما يدحضها العلماء الأردنيون من خلال معلومات فنية تخالفها تماما ، وتبين مخاطرها الكامنة وتأثيرها على البيئة بكافة مكوناتها ، إضافة لكلفتها المالية العالية دون مردود اقتصادي مجد . ورغم أن السجال مستمر بين الطرفين منذ بضع سنوات وحتى الآن ، إلا أن الحكومات المتعاقبة تقف في منصة المتفرجين دون أن تقول كلمة الفصل المقنعة من خلال لجنة دولية محايدة .

لقد سبق لي وأن كتبت أربع مقالات في الصحافة المحلية ، معارضا هذا المشروع من أساسه ومخالفا لطوقان فيما يدعيه من ” الحاجة لتعلم التقنيات النووية ” والتي يمكن تعلمها في مجالات أخرى ليست بهذه الخطورة كالطب والزراعة وغيرها . وبينت في تلك المقالات أن هذا المشروع يرتكز على خمسة عناصر أساسية هي : الماء ، المال ، الأمن ، الخبرة الفنية العملية ، وقبول المجتمع المحلي . وجميعها غير متاحة في الحالة الأردنية . ولا أجد حاجة هنا لإعادة شرحها من جديد بل سأتركها لأصحاب الاختصاص ، ماعدا عنصر واحد يقع ضمن اختصاصي ألا وهو ما يتعلق بالناحية الأمنية ، خاصة وأن طوقان يعترف ” بأننا نعيش في منطقة مضطربة ، وأنه لا يقبل البدء بمشروع ضخم ومن حولنا براكين ملتهبة ” .

فحماية المحطة النووية في هذه المنطقة المضطربة ، من قبل القوات المسلحة كما يدعي البعض غير ممكنة عمليا ، وذلك لأن طول الانبوب الناقل للمياه من ( بحر الخربة السمرا ) إلى موقع المفاعل المقترح قرب قصر عمره يبلغ 61 كيلو مترا . من الصعب حمايته من الأعمال التخريبية أو القصف الجوي في جميع الأوقات مهما كانت درجة الحراسة مشددة . حتى لو تم تركيز العديد من بطاريات الباتريوت أو تم تغطية المحطة بالقبة الحديدية ، فلابد من تسرب بعض قذائف المدفعية والصواريخ البالستية والطائرات إليها ، وتدمير جزء من الخط الناقل أو بعض منشئات المحطة ، مما يخلق كارثة إشعاعية خطيرة تضر بسكان المنطقة المجاورة ، لا سيما وأن الامتداد السكاني سينتشر حول المحطة خلال العقدين القادمين . وهناك نقطة هامة أخرى يجب التأكيد عليها إذا تم تشغيل المفاعل ، وهي كيفية التصرف بالنفايات النووية التي تشكل معضلة شائكة للدول العظمى التي تمتلك مثل هذه المحطات .

ورغم ما يجري من حديث ومعارضة شديدة لهذا المشروع ، من قبل العلماء والنشطاء والنواب ومختلف أطياف الشعب بسبب خطورته الصحية والبيئية والمالية ، إلا أن خطوات تنفيذه قد بدأت عمليا على الأرض . وقد صرح طوقان لجريدة الدستور الأردنية قبل أيام ، بأن البرنامج النووي يضم ثلاثة مشاريع :

الأول تطوير القوى البشرية ، والثاني استكشاف واستخراج المواد النووية من الأرض الأردنية ، والثالث بناء محطة نووية لتوليد الكهرباء. ولكنه لم يحدد السقف الزمني لكل مشروع ومتى سيتم تكاملها جميعا لتعطينا حوالي 20 % من حاجتنا للطاقة بعد إنجازها .

وعلى ضوء حديث طوقان الذي اشتمل على بعض التناقضات من حيث كميات اليورانيوم ، واختيار موقع المفاعل ، ودراسة الجدوى الاقتصادية وغيرها ، أحب تذكيره بانسحاب ثلاث شركات عالمية من هذا المشروع ، لعدم توفر اليورانيوم بكميات تجارية في المملكة وهي : شركة سينويو الصينية ، وشركة ريوتنتو البريطانية الاسترالية ، وشركة أريفا الفرنسية . أما قصة تقطير الصخر الزيتي ، فقد أعلن بأنه قد تم التعاقد مع شركة سعودية لتولي تنفيذ المشروع ، وقبل أن يجف الحبر تم اكتشاف خلل في الاتفاقية ، لكونها قد سمحت للشركة بالاتجار في الصخر الزيتي بدلا من تقطيره في الموقع المحدد .

يقول طوقان ” بأن الطاقة ستكون آمنة ومستقرة بعيدا عن التقلبات السياسية العالمية ” . وحبذا لو شرح لنا معاليه معاني هذه الكلمات البليغة ، طالما أن تخصيب اليورانيوم واستخراج الكعكة الصفراء يعتمدان على تكنولوجيا خارجية غير آمنة وغير مستقرة ، ولا يستطيع التحكم بالسياسة العالمية . وبناء عليه لا أدري كيف يعلن الدكتور في أحاديثه المتكررة ، بأن هذا المشروع خيار استراتيجي ؟ فأنا أخالف الدكتور بمقولته وأرى بأن الطاقة المتجددة والتي ننتجها محليا طيلة أيام السنة ، هي خيارنا الاستراتيجي الوطني ، لكونها آمنة ومستقرة بعيدا عن التقلبات السياسية العالمية .

ثم يقول الدكتور في مقابلته مع الصحيفة : ” هناك قوى عالمية لا تريد للمنطقة العربية أن تسير بأي اتجاه نحو النووي لتبقى إسرائيل فقط القوة النووية الوحيدة المحتكرة للتكنولوجيا النووية “. وإذا ما سلمّنا بهذا الكلام ، فكيف يفسر لنا معاليه ما صرحت به إسرائيل في العام الماضي ــ ونحن نصدّقها مع الأسف ــ بأن هناك تعاون علمي إسرائيلي معه في اختيار موقع المحطة ، وفي تقديم الاستشارات والمعلومات الفنية التي تساعده في بناء المحطة النووية ؟

وعندما يقول طوقان بأن الشريك الاستراتيجي سيقاسمنا المخاطر ، فاسأله لو قُدّر للمفاعل أن يرى النور وحدث به خلل فني أدى إلى تسرب إشعاعات نووية ، فهل سيحمل هذا الشريك حصته من هذه الإشعاعات الخطيرة ويهديها إلى مواطني بلده ، ويتركنا ننعم بحصتنا من بقية الإشعاعات المسرطنة ؟ ثم لو تطورت الأحداث الحالية في أوكرانيا وفُرضت عقوبات اقتصادية على روسيا ، شاملة حظر التعامل مع الشركات النووية ، فما هو مصير شراكتنا الاستراتيجية معها في المشروع النووي وما مصير شركة ” روس آتوم ” التي تم اختيارها لتنفيذ هذا المشروع ؟ أعتقد أن طوقان يقتدي بقصة الملك وحمار جحا التي أوردتها في مقال سابق ، لنستنتج منها العبرة التالية : إما أن يتوقف العمل بالمفاعل لأسباب مختلفة ، أو يموت معارضو المشروع ، أو يموت هو . . وهكذا يسقط الوعد بالطاقة الآمنة .

أختم مقالتي هذه بالقول : طالما أن هناك خيار استراتيجي وطني يتضمن اعتماد الطاقة المتجددة والآمنة والمستقرة ، والأقل كلفة والأقصر وقتا للإنشاء والإنتاج ، فلماذا لا نلجأ إليها ونحقق هدفنا المنشود بأقل التكاليف ؟ إن هذه الحالة الغريبة التي يفرضها علينا طوقان أو غيره ، أشبه بمن يجرب لدغة الأفعى السامة ليتأكد بأنها قاتلة رغم معرفته المسبقة بالنتيجة . ومع كلّ هذا . . فإنني أعتقد أن المشروع النووي الأردني سيسير قدما تحت إشراف عرّابه الدكتور خالد طوقان ، مهما بلغت شدة المعارضة وبغض النظر عن النتائج . ومن يمد الله في عمره ويعش لعقد آخر من الزمن ، سيرى ما جنته يدا العرّاب ومؤيدوه بحق المواطنين الأردنيين . . وحينها قد لا نجد من يتلقى الحساب أو المساءلة . . !

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.