صحيفة الكترونية اردنية شاملة

نموذج دبي..!

0

عندما يزور عربي إمارة دبي، يغلبُ أن يفكر في بلده، ويقارن. وبالنسبة لي، أعرف أن من الظلم مقارنة الأردن بالخليج، حيث النفط والثروات هناك، والعوز إليها هنا. لكن قصة تطور الإمارة الخليجية تظل تغوي بالحلم والتأمل. ثمة بالتحديد فيلم وثائقي قصير في متحف دبي، يبين كيف نبتت الأبراج والحياة والخضرة هناك من التراب الصحراوي والحرارة القائظة في نحو عقدين؛ ويقول قصة تحول اقتصاد بسيط قوامه صيد السمك واللؤلو وبعض التجارة، إلى اقتصاد نموذج، قائم على السياحة والخدمات (نسبة عوائد النفط من الدخل المحلي الإجمالي لدبي لا تتجاوز 3 % إلى 6 %).
بوضع النظرية الاقتصادية والجيوسياسات جانباً، والاسترشاد بالانطباعات، قد يزعم المرء مطمئناً أن طبوغرافيا الأردن، واستعداداته البشرية والطبيعية، ترجح على مثيلاتها في دبي عند نقطة الصفر. لكن الفارق فيما يبدو هو في الوقوع على الفكرة والإيمان بها، والعمل عليها بمنهجية وصفاء طويّة ورؤية استراتيجية: ماذا لو كان أحد قد حلم للأردن المحروم من الموارد الطبيعية، بأن يكون بلد خدمات وسياحة، على نحو يقترب أو يبتعد قليلاً عن نموذج دبي، باختلاف التفصيلات؟
ربما كانت الأشياء لتبدأ من تهيئة بنية تحتية عصرية. وفي الأردن الفقير بالمال، كان يمكن بداية توظيف المساعدات والقروض. لكنه كان ليلزم عدم هدر تلك الأموال في تلفيق بنية هشة، بحيث تكون متينة، عصرية، وقابلة للديمومة والخدمة. بعد ذلك، يأتي عمل اجتذاب الاستثمارات الخارجية، و”تدليل” المستثمرين، حرفياً. كان يجب التخلص أولاً من النزعات الانطوائية ورهاب الغرباء: إن المستثمر الأجنبي الذي يأتي ليبني العقارات والفنادق والأسواق، أو ليقيم مشروعاً صناعياً أو خدمياً، لا يأتي ليسرق البلد.
إنه يأتي ليفيد ويستفيد، ليولّد الوظائف ويملأ الفضاء حركة وحيوية. لن يكون هناك ضرر في إعفاء المستثمر الأجنبي أو المحلي من الضرائب تماماً، وابتكار نظام ييسر معاملاته على غير الطريقة الطاردة المعروفة لدينا. أما عوائد الدولة، فستأتي من دروب أخرى مدروسة. سينبغي إقرار حزمة جريئة من القوانين المشجعة للاستثمار وخدمته، بالإضافة إلى قوانين مرنة وذكية متعلقة بالأجانب والزوار، يصحبها تثقيف كثيف لعقل الأردنيين وتعويدهم على بعد النظر في علاقتهم مع الضيوف، مع إبقاء الرفاه المتوقع من السياحة الناجحة في مقدمة الذهن.
إذا قلت لمستثمر أن ما عليه سوى أن يأتي بفكرة مشروعه، وسيجده مخدوماً ببنية تحتية مريحة، وقدمت له بيئة قانونية وتنظيمية وأمنية تضمن له قدوم الزبائن من الداخل والخارج لشغل مشروعه، فإنه سيتكفل بالباقي من دون أن يثقل كاهلك. سوف يجتمع رأس المال والفكر الإبداعي ليحولا مشهد الأردن الطبيعي الثري إلى لوحات حقيقية. سيكون مناخ الأردن الرائع المتبدل، وأمنه النسبي الفريد في المنطقة، والذي لا بد أن يعززه رخاء مواطنيه القادم مع الاستثمار والقوانين الضرورية المتحررة كما يجب، أسباباً منطقية لجذب السياح والزوار والعاملين إلى هنا أكثر من أي مكان آخر في المدى المنظور.
في دبي -كما أتصور- يبني المستثمرون الأبراج، ويأتي ليشغلها وافدون يعملون غالباً عند مستثمرين وافدين. والدورة تدور بعد ذلك بآلياتها الذاتية. المستثمر يفتح محلاً في السوق الكبيرة، والوافد يشتري منه بما يكسبه من العمل لدى المستثمر الآخر، ويشغل سائق التاكسي والمطعم الذي يستخدم وافدين آخرين، وهكذا. والجميع يدفعون رسوم إقامات ومعاملات للدولة. المطارات تعمل بكامل الطاقة وتجلب الأموال. الحياة تتحرك بدأب ولا يكاد أحد يشكو من الكساد. السائح يتجول وينفق ويتمتع بالمشاهد والفخامة والخضرة التي اجتُرحت من العدم. الغني الأجنبي يقاتل لامتلاك شقة في برج فخم أو لفتح محل أو مشروع، وهكذا. عندئذ، لا مشكلة في عمل المواطنين المحليين في المكاتب الحكومية ليخدموا باحتراف وجدية وبلا بطالة مقنّعة. لا ضرورة لمشاهدة الشرطة في الشوارع عندما يعمل النظام مثل الساعة السويسرية. ستبقى مشكلة الماء. لا مطر في دبي، لكنهم حلوا مشكلة الماء!
أعرف أن العرض تبسيطي وحالم. لكن نموذج دبي بدأ بالتأكيد من حلم مشابه!

alaeddin1963@

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.