صحيفة الكترونية اردنية شاملة

«الاحتيال الأميركي»… وفضيحة «أبسكام»!

0
يُعرض فيلم المغامرة والكوميديا المثير «الاحتيال الأميركي» في الوقت الراهن بجميع دور العرض في الولايات المتحدة، وتدور أحداثه حول فضيحة «أبسكام».

ولمن لم يسمع عن الفيلم أو لا يتذكر نهاية سبعينيات القرن الماضي، فقد كانت «أبسكام» عملية خاصة نظمها مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» وقام بها عملاء سريون ينتحلون صفة شخصيات عربية بملابس تقليدية.

وقد صور مكتب التحقيقات بالفيديو هؤلاء الأشخاص وهم يقدمون مظاريف تحتوي على مبالغ نقدية لأعضاء في مجلس الشيوخ ومسؤولين في الكونجرس للحصول على مساعدتهم في سلسلة من الأنشطة غير القانونية.
وتم اعتقال الفاسدين في الكونجرس الأميركي وأدينوا وحكم عليهم بالسجن بسبب تلقي الرشوة والتآمر.
ونتج عن الفيلم نقاش إزاء مصداقيته بشأن الأحداث والشخصيات التي يصورها، وما إذا كانت التكتيكات التي استخدمها مكتب التحقيقات الفيدرالي تعتبر «فخاً» أم لا. غير أن هناك بعداً آخر لـ«أبسكام» لا يأخذها فيلم «الاحتيال الأميركي» بعين الاعتبار كما تجاهلته المراجعات الإعلامية، وهو تأثير فضيحة «أبسكام» على الأميركيين العرب أيضاً.
وبالنسبة لكثيرين في جاليتنا كان المسلسل بأكمله مجرد مثال آخر على تفشي الصور النمطية السلبية والمؤلمة، لاسيما أننا نشأنا على سلسلة من محاولات تصوير العرب بصورة عنصرية إما على أنهم إرهابيون مصاصو دماء أو رجال أغنياء وطماعون، وعلى مر العقود عززت هوليود هذه الصور النمطية بينما دعمها التلفزيون وجعلت منها الشخصيات الكارتونية السياسية أمراً معتاداً للأسف.
وحسبما أظهرت الدراسات التي أجريت في ذلك الوقت، فإن العرب لم يظهروا في الأفلام والتلفزيون إلا بأوصاف سلبية، وفي بعض الأحيان كانت جماعية، وفي غياب أية صور إيجابية، فإن المشاهد السلبية باتت تثير السخط. ولم يعد كونك عربياً يعني أنك مختلف فقط، ولكن أصبح يعني أيضاً أنك «سيئ» و«شرير» و«أقل إنسانية» كذلك!
وكان التأثير على المجتمع الأميركي واضحاً، فبعد وقت قصير من فضيحة «أبسكام»، أصدر معهد الشرق الأوسط نتائج استطلاع للرأي العام يظهر أن أغلبية الأميركيين يصفون العرب بأنهم «برابرة وقاسون» و«خائنون» و«محبون للحرب» و«أثرياء».
ولن أنسى أبداً أن أبنائي عادوا إلى المنزل في عيد «الهالووين» بعد فضيحة «أبسكام» يخبرونني بأنهم لا يرغبون في أن يعرف أحد في مدرستهم بواشنطن أنهم من أصول عربية، وأوضحوا أن سبب ذلك هو أن عدداً من زملائهم ارتدوا في استعراض «الهالووين» السنوي ملابس عربية تقليدية ووضعوا أنوفاً كبيرة وحملوا أسلحة وسكاكين وحقائب نقود.
وقد باتت الصور النمطية السلبية عن العرب متأصلة بدرجة كبيرة في الثقافة الأميركية، بدرجة جعلتها مقبولة للاستخدام حتى من قبل أعلى وكالة لتنفيذ القانون في البلاد.
ولا أزال أتذكر أيضاً عندما واجهت مسؤولاً في مكتب التحقيقات الفيدرالي بهذه الأسئلة عن «أبسكام»: لماذا تستخدمون شخصيات عربية «مزيفة» للإيقاع بسياسيين؟ وما دخل العرب في خطة رشوة مسؤولين في الكونجرس في حين أنه لم يفعل أي شخص عربي مثل هذا من قبل؟ هل استخدمتم في السابق أية مجموعة عرقية أخرى؟ إلا أن إجابته فسرت كل شيء: «كنا نحاول عمل سيناريو يعتبر قابلاً للتصديق، وبدا هذا السيناريو منطقياً بالنسبة لنا!».
وقد بات واضحاً أن كونك عربياً أضحى مسؤولية في حد ذاته، ولم يكن التأثير ثقافياً فحسب، فمثلما اكتشفنا، كانت هناك أيضاً تبعات سياسية على الأميركيين من ذوي الأصول العربية، إذ أنه باختلاق حدث لم يكن له وجود أبداً -وهو استخدام عرب للأموال في شراء الكونجرس- عرّض مكتب التحقيقات الفيدرالي المشاركة السياسية للأميركيين العرب إلى الخطر.
وعلى مدار سنوات عقب ال
فضيحة، رفض عدد من الحملات الانتخابية الكبرى مساهمات من مانحين أميركيين من أصول عربية خشية اتهامها بـ«الحصول على أموال من عرب».
ولكن لم يُسلّم جميع الأميركيين العرب بقبول «أبسكام» على أنها قدرهم، فآنذاك وجه عضو مجلس الشيوخ السابق الجريء والشجاع جيمس أبورزق، الذي شعر بغضب شديد، احتجاجه مباشرة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، وأطلق دعوة للأميركيين العرب للاحتفاظ بحق الدفاع عن تراثهم والتعريف به. وطلب أبورزق مني الانضمام إليه في تأسيس لجنة مناهضة التمييز ضد الأميركيين العرب. واستثمر قدراً كبيراً من رأسماله السياسي في إلهام الجالية العربية في الدفاع عن نفسها وساعدنا في تنظيم أنفسنا والتعبير عن آرائنا.
وقد أسسنا سوياً اللجنة التي كانت بمثابة وسيلة فعالة في محاربة التشويه والتمييز، حيث راقبت وسائل الإعلام والكتب المدرسية وتحدت السياسيين والمعلنين والشبكات التي اعتمدت على صور نمطية سلبية عن العرب.
وكانت تلك أياماً مثيرة، بينما كنا نكتشف قوة الجالية المنظمة، وعلى رغم أننا واجهنا تحديات جمة، إلا أننا ثابرنا وعلى طول الطريق انتصرنا في عدد من المعارك، وبينما لا تزال هناك مشكلات خطيرة بكل تأكيد، إلا أننا الآن أفضل بدرجة لا تقارن بما كنا عليه في عام 1979.
وبالنسبة للأميركيين العرب، فإن قصة «أبسكام»، وبالطبع «الاحتيال الأميركي»، أضرت بشكل واضح بثقافة بأسرها، والأكثر أهمية أنها الحدث الذي دفعنا إلى العمل.
ومن العار فشل هوليود في رؤية هذا الجانب من القصة بشكل ملائم، ولكن كي يفعلوا ذلك كان سيتعين عليهم أولاً، الإقرار بالدور الذي لعبوه في المساعدة على نشر الصور النمطية السلبية التي اختلقها مكتب التحقيقات الفيدرالي عن العرب.
ـ ـ ــ ــ
د. جيمس زغبي: رئيس المعهد العربي الأميركي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.