صحيفة الكترونية اردنية شاملة

السياحة السياسية صراع إرادات ومرحلة تحولات

0

خاص بصحيفة المقر

جون كيري وزير الخارجية الاميركية في القاهرة وفي القدس وفي رام الله أيضاً. في القاهرة يعلن بوضوح لا لبس فيه الموقف الرسمي للإدارة الاميركية المؤيدة للانقلاب العسكري باعتبار ما حصل في مصر استعادة لثورة 25 يناير بعد ان اختطفتها جماعة الاخوان المسلمين, وبذلك تنحاز الادرارة الاميركية وكعادتها لصالح الانظمة التي انقلبت ضد خيارات شعوبها, ولم تكن تلك السياسات حالة طارئة على النسق الاميركي وإنما هي التعبير الدائم عن الانحياز الكامل لمصالح الامبرطورية الاميركية, وهنا اسأل متى واين كانت اميركا مع الحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الانسان؟ !! اليس هذا هو الموقف الذي ينسجم مع طبائع الاستبداد والاستعباد؟ فالكابوي الاميركي يغضب عندما يلحظ شعوبا متحررة تريد ان تصنع مجدها وتصوغ مستقبلها لأنها – اي اميركا – تريد نهاية التاريخ الذي يتوجها سيدة العالم الاولى دون منازع وتريد من الاخرين ان يكونوا اتباعاً وخدماً, ماذ يفعل كيري في القدس؟ بالتاكيد ليس لقضاء عطلة نهاية الاسبوع وانما في حركة مكوكية لانجاز ما عجز عن فعله السابقون. فمنذ قطار مدريد الشهير الذي انطلق بسرعة نحو محطة التسوية لانهاء النزاع العربي “الاسرائيلي” عام 1991 وكان التهديد يومها ان القطار لا ينتظر احداً, ولا يتوقف إلا في محطته الأخيرة , منذ ذلك الوقت اعلن البعض عما اخفوه في صدورهم سنوات طويلة ومارسوه هوايةً وغوايةً واحترافاً بعلاقة مع الاعداء فأصبحت علنيةً وموضع الفخر والاعتزاز وبرزت في القاموس السياسي مصطلحات جديدة مثل “الاشتباك التفاوضي والسلام العادل والشامل وسلام الشجعان والارض مقابل السلام وحوار الكوريدور” واكثر من ذلك اذ اعتبر بعضهم ان المفاوضات هي الحياة ومن اجلها يعيش, الم يكتب احدهم ان المفاوضات حياة؟ نعم ولكن اي حياة نكرة تلك التي استمرأها مدمنوا الرق والعبودية السياسية؟ ولتجدنهم احرص الناس على حياة.

هل ننسى ان الذين صدقوا الوهم وركبوا في القطار رافعين غصن الزيتون ذاقوا وبال امرهم ولم يعودوا شركاء مقبولين بعد ان اكتشفوا الخديعة الكبرى التي سموها “بعملية السلام”؟.

من ذاك اليوم الذي تخلى فيه ساستنا عن بقية الخيارات واسقطوا البندقية واحتضنوا غصن الزيتون وتنافسوا في تقديم التنازلات بقبولهم خيارات هجينة وغريبة عن الحس الانساني والثقافة العربية التي تابى الخنوع, انها ثقافة القبول والاستخذاء التي تتناقض مع الواجب الشرعي الذي جعل الجهاد لتحرير الارض والانسان ذروة سنام الاسلام.

اذا نحن امام مشهد يتلخص بطبيعة المدافعة الداخلية بين خيارات الشعوب في الحرية والانعتاق والتحرر من الرق السياسي والعبودية للاستبداد الداخلي أو الارتهان للاستعمار الخارجي, خيارات الانظمة التقت مع رغبة دول الاستكبار بضرورة عدم التغيير ومنع الإصلاح فهم متفقون على وأد الحلم العربي وافشال التجربة في مهدها, والتدافع الداخلي اليوم في بدايته وأطرافه إرادة شعب يعشق الحرية ويقدم التضحيات من اجلها ويعرف أن “للحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق” و”من يطلب الحسناء لا يغله المهر” وطرف المدافعة الآخر إرادت كسيحة وعاجزة ومتخلفة تشدنا الى الخلف وتثقلنا بالاوزار التي يحملونها على ظهورهم ويريدننا ان نحمل عنهم لا ان نحمل معهم.

. اميركا اليوم تدرك ان الفرصة الراهنة ربما تكون الاخيرة امام تنوع الخيارات الشعبية وفشل التسوية والمفاوضات ومن اجل اغتنام هذه الفرصة تعمد لقهر الإرادة الشعبية وتضغط على الجانب الرسمي الضعيف انتظاراً للجديد القادم من رحم الاشتباك الاقليمي والمتمثل بمشروع سياسي يعيد صياغة الجغرافيا السياسية وإنتاج الخرائط ورسم الحدود وازاحة كتل بشرية تحت عنوان “تبادل الاراضي والسكان” ليس في فلسطين فقط وانما بالجغرافيا المحيطة ايضا.

المشروع بتحالفاته الجديدة خطير ولا يواجه بالنمط التقليدي المحكوم بالفشل, ولا بالاحتجاج داخل الاطار الاميركي ولكنه يحتاج الى تمرد وابداع خارج نطاق المعروف والمالوف, والمشروعات التي تحاول بناء تحالفات او محاور اقليمية لتؤدي ادواراً وظيفية مؤقتة لا يمكن ان تكون صالحة لمواجهة مخاطر اللحظة.

ايها الساسة.: الخيار بين ايديكم متاح ويخطىء من يحسب ان النجاة في صراع البقاء يمكن ان يتحقق بمعزل عن الاراداة الشعبية, واصلاح ذات البين بين الحكام والشعوب مقدم على خيار التحالفات الاقليمية فالخيار الشعبي يعزز شرعية الحكام ولا يهدد مصالحهم والاستقواء بهذا الخيار يعزز القدرة على المواجهة لإفشال تلك المشاريع المشبوهة, ومن يعتقد انه قادر على مواجهة الخارج والداخل فهو واهمٌ وعابثٌ ومصادمٌ لنواميس الكون الكبرى الغلابة والقاهرة.

النداء وربما يكون الاخير لمن يعنيه الامر ويتمنى النجاح والبقاء يا أيها الذين حكموا: استفيقوا الآن قبل ان ينكشف المشهد باستبدالكم بعد انتهاء ادواركم وتستبينوا النصح في ضحىً عاصفة هوجاء يتطاير شررها في كل اتجاه, وعندها لا ينفع لوم ولا ندم, ويصدق بالقوم مقولة دريد بن الصمة وشاعر هوازن عندما قال:

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد

فلما عصوني كنت منهم وقد أرى غوايتهم أو أنني غير مهتد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.