صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مرسي ولا يهزك ريح

0

خاص بصحيفة المقر
أزمة عميقة أحدثتها وقائع محاكمة الرئيس المصري محمد مرسي, فالحدث العابر للحدود فرض نفسه على الفضاء الإعلامي واستطاع ان يتجاوز الخصوصية الجغرافية, وان يتصدر المشهد السياسي على اختلاف المشارب والاهواء. .

لو تجاوزنا توصيف الحالة التي ظهر فيها الرئيس مرسي عملاقا كبيرا امام أقزام صغار.

ومهما تكن نتائج وقرارات المحكمة التي لم تكمل جلستها كما خطط لها, فان الذي سيبقى خالدا في الوجدان والذاكرة والتاريخ ان الرئيس مرسي حجز لنفسه مقعداً في مصاف الرموز التاريخية واصبح أيقونة الصمود وعنوان الصلابة سيذكره التاريخ كما خلد أحمد بن حنبل وابن تيمية والعز بن عبدالسلام وحسن البنا وسيد قطب.

من يعرف اسم السجان الذي غيب نلسون مانديلا سبعة وعشرين عاما خلف القضبان؟ ومن يذكر إسم القاضي الذي حاكم صدام حسين؟ ومن يذكر أسماء الطغاة الذين قتلوا جيفارا؟، إنه التاريخ الذي لا يحفل إلا بالكبار ولا يحمل في الذاكرة زبداً زائلاً سريع الذوبان والنسيان.

هكذا بدا الانقلاب في مصر مهزوزا ومهزوما حائراً ومرتبكاً برغم الأعداد الغفيرة من الجنود والمدرعات وكأنه ذاهب الى حرب ضروس وليس الى محاكمة أسير مختطف. .

بهذه المناسبة التي تستدعي الإجابة على السؤال لماذا كان الإنقلاب؟ يحسن ان نتوقف امام جردة حساب لحكم مرسي سنةً مليئةً بالتحديات والمؤامرات. . فعلى الصعيد الداخلي ألغى مرسي القانون الذي يسمح بحبس الصحفيين وترك 22 قناة فضائية تشتمه ليل نهار ولم يغلق واحدة منها وعفا عمن شتمه من الإعلاميين بينما لم يحتمل حكم العسكر حلقة واحدة من برنامج باسم يوسف .

مرسي لم يتقاضى مرتبه الشهري منذ توليه الحكم وكان يسكن في شقة مستأجرة وابنه مغترب في السعودية .

في فترة حكمه القصيرة إتبع سياسة الإعتماد على الذات وإنتاج الدواء والغذاء, وحافظ على سيادة الدولة ولم يسمح بالتدخل الاجنبي, وأسس لعلاقات خارجية متوازنة ونأى بمصر عن سياسة التبعية والمحاور والاحلاف واتجه نحو الصين والهند والبرازيل وبدا بمشروع صناعة اول طائرة حربية بالتعاون مع البرازيل وتركيا, توجه الى السودان لإقامة المشاريع الزراعية الكبرى, ورفع إنتاج القمح الى 10 ملايين طن, وبدأ بمشروع تنمية سيناء باربعة مليارات دولار ومد خط مياه الى مدينة مطروح ورفع مرتبات الموظفين وزاد معاش الضمان الاجتماعي إلى 400 جنيه ونفذ تامينا صحياً شاملاً لخمسة ملايين امرأة معيلة وهو الذي امر بفتح مصنع النصر للسيارات وإنتاج أول آيباد مصري .

ومكَن الجيش المصري أن يتمركز في سيناء دون موافقة “اسرائيل ” خلافا لاتفاقية كامب ديفيد وقال:”لن نستاذن أحدا للتحرك في بلادنا”.واكثر من ذلك فهو الذي وقف بجانب المقاومة ولم يشارك في حصار غزة وكان على تواصل دائم مع الشيخ رائد صلاح ومواكبا لتطور الأحداث في القدس ومتابعا لما يتعرض له المسجد الأقصى من تهديد صهيوني .

بعض هذه الانجازات لو فعلها غيره لحظيت باهتمام اعلامي وتسويق سياسي لا يخفى على المتابعين, وقد اعتدنا ان على الهتاف بحياة الزعماء والمطالبة بعودتهم وهم يصنعون الهزيمة والفشل.

لم يخل الامر من انصاف فهذه صحيفة (لموزيه نيوز) الفرنسية إختيارت الرئيس مرسي ليكون أقوى شخصية لهذا العام وقالت : نحن ننحني لهذا الشخص العبقري الذي يحب وطنه ويرفض التنازل عن حلم ثورة 25 يناير. .

ويبقى السؤال الأكثر أهمية لماذا انقلبوا على مرسي ؟

لأنه اراد ان تكون مصر قوية ومستقلة و متحررة من قيد التبعية والارتهان ومعتمدة على نفسها في الصناعة والزراعة ونحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وبالتعاون مع الدول المؤمنة بنفس الأهداف الامر الذي سيحقق الأمن القومي المصري والعربي ولو بعد حين, وبمعنى أدق أراد الرجل وعلى المحور الخارحي ان يعيد لمصر دورها الإقليمي بعيداً عن الالتحاق بالسياسة الصهيواميركية واعادة تموضع الدولة المصرية وتغيير قواعد اللعبة السياسية في المنطقة, من اجل إحباط هذا الحلم كان الإنقلاب.

وأما على المستوى الداخلي فقد بدأ الرجل خطواته الأولى في تفكيك منظومة النظام القديم او ما يسمى بـ” الدولة العميقة ” حيث قرر في خطابه الأخير قرارات حاسمة لتحقيق الأمن وذلك بإنشاء وحدة لمكافحة أعمال البلطجة وإقالة الموظفين الذين تسببوا بمعاناة المواطنين وسحب تراخيص محطات الوقود المخالفة وتمكين الشباب من المشاركة الفاعلة في صياغة الواقع والمستقبل وتطهير البلاد والمؤسسات التي افسدها نظام حسني مبارك مثل القضاء والإعلام. ولقطع الطريق امام هذا الطموح كان الإنقلاب.

إذا اردنا ان نختصر الموقف للإجابة على السؤال لماذا كان الإنقلاب؟ فلننظر الى العيون الصهيونية وكيف تقرأ مصر في زمن حكم مرسي وهنا مربط الفرس.

فقد ذكرت عدة دراسات صهيونية أن سياسة مرسي الخارجية تهدف لإلغاء كامب ودعم المقاومة الفلسطينية والانتقال من الدعم المعنوي والسياسي إلى الدعم العسكري وهنا مكمن الخطورة.

فقد ذكر المعلق الصهيوني رون بن يشاي أن مرسي غير قواعد اللعبة معنا باستمرار وكان الحل ان يتصرف الأمريكيون.

واما افرايم كام كبير باحثي الأمن القومي “الإسرائيلي” فقال:ان تحالف العسكر والليبراليين وتفوقهم يضمن مصالحنا في مصر, وقال:ان الانقلاب في مصر جعل الجيش الإسرائيلي يوافق على تقليص موازنة الأمن لأول مرة منذ تفجر الربيع العربي.

وهذا دان مرغلت كبير معلقي صحيفة “اسرائيل اليوم” وبعد أسبوع من الانقلاب قال: سنبكي دما لأجيال إن سمحنا بفشل الانقلاب وعاد الإخوان إلى الحكم وقال: يتوجب على “إسرائيل” فعل المستحيل لضمان عدم عودة الإخوان إلى الحكم لان الاخوان سيتوجهون الى الإنتقام من إسرائيل وهذه قصة حياة او موت ليست للسيسي فقط وإنما لنا أيضا.

وفي ذات السياق قال موشي يعلون: قيادة الجيش المصري أوصلت لنا فيديوهات سرية مصورة تتعلق بمرسي وهو يتحدث بشكل عنصري عن “إسرائيل” وعن رغبته بتغيير الاتفاقيات معها لأنها مجحفة بحق مصر وقال: ان زوال مرسي من الحكم أبعد عن إسرائيل خطراً داهماً وكبيراً كانت إسرائيل نفسها لا تعرف عواقبه.

وكتب المفكر الصهيوني ايدر: مع كل الألم يجب أن يغض الغرب الطرف عن مجازر السيسي ضد شعبه لأنها السبيل لمنع دولة إسلامية.

وفي صحيفة معاريف: إنتخاب مرسي زاد الإنفاق الأمني الإسرائيلي بخمسة مليارات من الدولارات.

وليس هذا كل ما حفلت به الدراسات والمقالات المنشورة فهناك العشرات بل والمئات من القراءآت والتحليلات التي تحذر من بقاء مرسي فقد ذكرت صحيفة “إسرائيل اليوم” ان نتنياهو امتنع عن شن حملة برية على غزة بعد تهديد مرسي بإلغاء كامب ديفيد, وفي سياق الشماتة قال مدير المخابرات العسكرية الأسبق:الإخوان أكبر خطر يهددنا وأشعر بالارتياح العظيم الآن كما نشعر بأمن أفضل بسبب زوال حكم الإخوان في مصر. وأختزل المستشرق الإسرائيلي إيال زيسر حقيقة الموقف بان إفشال مرسي مثل مصلحة استراتيجية لإسرائيل لأنه يوقف سيناريو الرعب الذي بشر به الربيع العربي.

ليس في مصر وحدها ولكن حيثما وجدت الحرية التي تتوق لها الشعوب وتعبر عن خيارهم وارادتهم فثم مصلحة العباد والبلاد, ولا مقام لنفوذ اجنبي او استعباد داخلي هذا المعنى بالضبط هو الذي ذهب له دان مرغلت كبير معلقي صحيفة ” اسرائيل اليوم ” حيث دعا إلى تكاتف دول العالم من أجل إخراج الإخوان المسلمين من الحكم في الدول العربية التي فازوا فيها بالانتخابات ومنع تكرار فوزهم في دول أخرى وقال: لقد أجبر مرسي القادة الإسرائيليين على المشي على أصابع أقدامهم خوفا من اثارة عداءه الكامن “لإسرائيل” .

هل في ذلك تفسير لمجريات الأحداث؟ وعلى إمتداد الساحة السياسية من أقصى المشرق الإسلامي إلى طرف المغرب العربي فالثورات المضادة والحملات المتواصلة بنفس الأدوات وذات المفردات(حركة تمرد وجبهة الإنقاذ. ..) ليس في مصر وحدها ولكن في تونس والسودان وغزة وليبيا واليمن وبعض دول الخليج ومروراً بتركيا وبنعلادش حتى أندونيسيا في أقصى الشرق؟ لهذا أيضاً قبلت اميركا ب بشار الأسد شريكاً في هذه العملية التي تسعى لإجهاض حركة التحرر العربي.

بقي القول إن الحسابات التي قامت على اساسها المقاربات الإقليمية والدولية لم تراعي التغير العميق في الوجدان الشعبي التواق للحرية واستعداده لدفع الثمن مهما ارتفعت كلفته وهذا الإنفجار الجماهيري قادم ويدرك جيدا معنى قول أمير الشاعر:

وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق.

فالحامل التاريخي والحاضنة الفكرية للشعوب مضادة للرصاص, وقادرة على مواجهة المخرز بالكف المجردة.

غاب عن حساب اللاعبين والراقصين على الجراح فشل الوكلاء الجدد والانقلابيين ومن حالفهم بالفوز بست انتخابات متتالية في مصر وهم افشل عن إدارة الدولة فضلاً عن تحقيق الاستقرار المنشود فالعسكر الذين عجزوا عن تسيير القطارات بعد أربعة أشهر وارتعشت أيديهم و ارتبكت أرجلهم في إدارة مهزلة سموها محكمة الرئيس الذي بدا عملاقا كبيرا في مسرحية الاقزام, لا يصلحون لادارة دولة بحجم الامارات فكيف بدولة مثل مصر.

من سيفسر لنا محاكمة اول رئيس منتخب لمصر والافراج عن حسني مبارك واعضاء حزبه واركان حكمه ورجال اعماله الذين سرقوا مصر وثرواتها؟ ومن يحاول ان يفهمنا تهمة القتل الموجهه لمرسي بالقتل والتحريض عليه في احداث الاتحادية التي قتل فيها ثمانية من الاخوان؟ ويتغافل عن قتل الالاف في مجازر رابعة والنهضة والحرس الجمهوري والمنصة ورمسيس و6 اكتوبر وقتل معتقلي ابو زعبل اثناء ترحيلهم؟.

بكلمة واحدة “مرسي ولا يهزك ريح” ولك من إسمك أوفر الحظ والنصيب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.