صحيفة الكترونية اردنية شاملة

“صلاة” الاستيطان

0

لا تجدي المطارحات السياسية في سياق ينتمي جملة وتفصيلاً إلى المثيولوجيا، والقناعات الذاتية، فإن ما يجري على الأرض حتى لو كان طرداً واستيطاناً وتنكيلاً بشعب هو من إرادة السماء، لهذا فشلت حتى الآن كل محاولات وقف الاستيطان الصهيوني في فلسطين، ولم تؤثر حتى تلك الضغوط الموسمية التي تمارسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد لا أجد أفضل من اختيار عبارتين فقط لاثنين من الحاخامات اليهود حول الاستيطان واعتباره قدراً سماوياً وتلبية لإرادة الرب .

كتب الحاخام تسفي يهودا كوك يقول: للرب سياسته وتدار على هذه الأرضكما يريد واحتلال فلسطين واستيطانها جزء من اقتراب ساعة الخلاص، وهذا هو قرار الرب الذي لا تستطيع أية قوة أرضية مواجهته .

ولأن هذه الميثولوجيا موروث ينتقل من جيل إلى جيل، فإن ما قاله الحاخام “دروكمان” وهو ينعى سلفه كوك يضيف إلى الميثولوجيا الجيوش أيضاً، يقول: جيوش “إسرائيل” هي جيوش الرب وتسيير الدبابات والمدافع والجرافات فرض من فروض الله، وواجب اليهود المقدس هو تنفيذ الأوامر الإلهية في استيطان أرض فلسطين .

لهذا علينا ألا نستغرب ونحن نرى الجنرالات والساسة في الدولة العبرية يسخرون ممن يطالبهم بوقف الاستيطان . ذلك ببساطة بسبب سوء التفاهم، فمن يمارس الاستيطان يستمد قراره من أسطورة اخترعها وصدقها لكن من يعترض عليه يستمد قراره من التاريخ والمنطق والقوانين .

ولأن الأسطورة لا تتجزأ بحيث لا يكون نصفها واقعياً ونصفها الآخر متخيلاً، فإن الاستيطان هو من صميم الأسطورة التي يرتكز عليها الفكر الصهيوني، وقد يكون الاستيطان هو جذر الأسطورة وليس فقط جزءاً منها لأن احتلال فلسطين مبدئياً هو شروع في الاستيطان وما يجري الآن ليس استيطاناً فقط، بل تعميق وتوسيع له لأنه يحقق هدفين معاً، أولهم إتاحة الفرصة لاستقدام مهاجرين من اليهود، وتهجير فلسطينيين بعد أن يتم قضم أراضيهم أو إجلاؤهم من بيوتهم بحجة أنها غير مُرخصة .

ما يخشاه بعض المثقفين في العالم ومنهم يهود غردوا خارج السرب الصهيوني ووصفوا بالعقوق، هو أن هذا الصراع محكوم عليه دائماً بالعودة إلى أول السطر أو المربع الأول كما يقال، لأنه بين التاريخ والخرافة وبين إعادة إنتاج الماضي وبين احتلال المستقبل .

إذن هناك لغتان وليس خطابان فقط ما يجعل أي حوار أقرب إلى حوار الطرشان ولعل هذا ما يفسر الدوران في حلقة مفرعة، فالتفاوض حول الاستيطان عبثي كما وصفه أكثر من كاتب يهودي، ومن يجهلون أو يتجاهلون البُعد الميثولوجي للاستيطان عليهم أن يقبلوا بالعودة على طريقة “حُنَين” لكن هذه المرة بلا خُفَّيْن .

الخليج

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.