صحيفة الكترونية اردنية شاملة

فورة الشركات الناشئة بفضل موظفي نوكيا السابقين

0

يسحب هاري وولينيوس ملفاً دقيقاً من قصاصات مأخوذة من صحيفة فنلندية محلية، جميعها توثق بيع أعمال شركة نوكيا للهاتف الخلوي إلى ”مايكروسوفت” بقيمة 5.4 مليار يورو. ويقول: ”كان أول رد فعل لي هو الصدمة”.

هذا الشخص البالغ من العمر 53 عاما لم يعد يعمل في شركة نوكيا، بعد أن عمل لمدة ”26 عاماً وثمانية أشهر”، حسب تعبيره الهندسي الدقيق، توقف عند نهاية عام 2011 وأخذ تعويضاً عن إنهاء الخدمة.

بعد ذلك، مثل مئات العاملين السابقين في شركة نوكيا في فنلندا في السنوات الأخيرة، أنشأ وولينيوس شركة جديدة. تصنع شركة بيبل أوديو، التي أسسها في منطقة سالو في غرب فنلندا مع عاملًين سابقَين في شركة نوكيا، معدات صوت لاسلكية لمساعدة مستمعي الموسيقى على التخلص من الأسلاك.

تسبب تراجع شركة نوكيا – التي ساهمت فيما مضى بنسبة 4 في المائة من النمو الاقتصادي السنوي لفنلندا – ببحث كبير عن الذات في هذا البلد الاسكندنافي، خاصة ما جاء بعد معاناة صناعتها الكبيرة الأخرى، صناعة الورق واللباب. أحد الآثار الجانبية لفقدان آلاف الوظائف في الشركة التي كانت الرائدة في العالم لصناعة الهاتف الخلوي، كان فورة الشركات الناشئة من الموظفين السابقين.

هناك الكثير من الأمثلة البارزة: شركة روفيو إنترتينمنت التي طوّرت لعبة أنجري بيردز مليئة بموظفي شركة نوكيا السابقين، كما في شركة جولا، صانعة جديدة للهواتف الخلوية. وأصبحت هيلنسكي واحدة من أهم عواصم الشركات الناشئة في أوروبا، يعود الفضل بذلك جزئياً للدعم المادي من نوكيا والحكومة الفنلندية.

ومع ذلك، تبقى أسئلة كبيرة: هل تكفي هذه الشركات الناشئة لتوفير مستقبل مشرق لفنلندا؟ هل أظهرت ”نوكيا” أي مساعدة أو عائق فيما يتعلق بالمهارات اللازمة لأي شركة ناشئة؟

تينا زيلياكوس وفيلي بيكا مارين هما أيضاً موظفان سابقان في شركة نوكيا أسسا شركتيهما الخاصتين – وهما شركتا ألعاب جديدتان متخصصتان، في منتصف الجولات الأخيرة لتمويلهما.

تستعد أستديوهات جاجاتري التابعة لزيلياكوس لإطلاق لعبة يوغا ريترييت، التي من خلالها يمارس اللاعبون تعلم وضعيات اليوغا، في الشهر المقبل بعد تجربتها في فنلندا وكندا. هذا وتتخصص شركة أبلوز التابعة لمارين في الألعاب التي يلعبها الآلاف من مشجعي الأحداث الرياضية، مثل مسابقات كراود نويز.

يقول مارين، الذي ترك شركة نوكيا في عام 2009 بعد أن عمل فيها لمدة عقد من الزمان: ”كانت شركة نوكيا كلية أعمال رائعة بالنسبة لي”. كما ساعدت الشركة أيضاً في التمويل بطريقة غير مباشرة. ويضيف: ”ما يساعد هو أن يكون لديك اتصالات في مجتمع تمويل الأعمال، هم موظفون وزملاء سابقون من شركة نوكيا”. تلقت شركة أبلوز، التي تأسست عام 2009، مليوني يورو من التمويل الأولي في عام 2010 والآن لديها عشرة موظفين.

تعتقد زيلياكوس، وهي من عشاق اليوغا وعملت في شركة نوكيا لمدة ست سنوات قبل أن تستقيل في عام 2007، أن ”نوكيا” كانت حاسمة في وضع فنلندا على خريطة الأعمال. وتقول: ”نحن فخورون جداً بها. لقد كانت مهمة لهويتنا وكيفية تأسيسنا للشركات”.

لكنها مع مارين مترددان بشأن حجم مساعدة المهارات التي تعلموها في ”نوكيا” بالنسبة للشركات الناشئة. تقول زيلياكوس: ”عليك أن تتقبل أن الشركات الناشئة تأخذ وقتاً، لأنه لا يوجد لديك أبداً الموراد التي تحتاج إليها. إن الواقع العملي للشركات الناشئة شيء مختلف تماماً”.

بالنسبة لمارين، المشكلة الأولية كانت أكثر إحراجاً. يقول ”عندما غادرت شركة نوكيا، لاحظت أن لغتي الفنلندية كتابةً ومحادثةً كانت سيئة”.

قد تكون اللغة الإنجليزية اللغة السائدة في شركة نوكيا، لكن كذلك كانت التسوية. ويقول: ”كان هناك دائماً عشرة أشخاص يعطون رأيهم في كل قرار. لقد بُنيت شركة نوكيا على التسويات”.

يوافق وولينيوس على ذلك، هو والمؤسس المشارك إيسا هارما، الذي يتولى البحوث والتطوير، لديهما اجتماع يومي في الساعة السادسة صباحاً. ويقول: ”أنت لا تحتاج لأي لجان أو اجتماعات طويلة”. تم تطوير وتسويق منتجيهما الأساسيين في ستة أشهر فحسب، حيث عُهِد بالتصنيع إلى مصادر خارجية من الموردين المحليين.

هناك مجالان ساعدت فيهما شركة نوكيا بالتأكيد هما التمويل وتطوير مهارات جديدة. قدم برنامج بريدج الخاص بالشركة – الذي تم وضعه لتخفيف ألم تسريح الموظفين – تمويلاً أولياً لشركات مثل جولا، بينما ساعد البرنامج وولينيوس بتأمين قرض من البنك. وبصورة عامة، تقول شركة نوكيا إنها ساعدت في تأسيس ألف شركة جديدة وقدمت العون لأكثر من 14 ألف موظف سابق.

يقول وولينيوس إنها أيضاً ساعدت في ملء الفجوات فيما يتعلق بمهاراته: ”نحن مهندسان، لذلك كان هناك شيء لنتعلمه في تخطيط الأعمال، وتلك الأمور المالية”.

ماركوس سومي، من المخضرمين والذي عمل في شركة نوكيا لمدة 14 عاماً، ويعمل الآن كرئيس تنفيذي لشركة WOT ”شبكة الثقة”، وهو موقع للتدقيق الأمني على الإنترنت، وهو من الذين يتأملون في الفائدة المتباينة لخبرته في شركة نوكيا. ويقول: ”كان من الواضح أنها جامعة متخصصة في التكنولوجيا المتقدمة العالمية للعديد من الفنلنديين”، لكنه يضيف: ”طريقة شركة نوكيا المنظمة، أي مسؤولية الأعمال الحقيقية – بمعنى المسؤولية الفعلية العملية عن الربح والخسارة – كانت بأيدي عدد قليل من الناس. كان هناك قليل جداً من التجربة العملية، بخصوص من يدفع الفاتورة”.

ساعدت شركة نوكيا أيضاً، مرة أخرى وبطريقة غيرمباشرة، عندما شارك ريستو سيلازما رئيس مجلس الإدارة الحالي والرئيس التنفيذي بالوكالة، في جولة التمويل الأخير لشركة WOT بأكثر من مليار يورو في العام الماضي.

هناك سؤال آخر طرحته الشركات الناشئة فيما إذا كانت فنلندا المكان الأفضل لشركات التكنولوجيا، في الوقت الذي تنمو فيه أعمالها. يقول مارين، حيث حققت شركته أبلوز ربع مليون يورو من مبيعات العام الماضي: ”واحد من التحديات التي تواجهنا، هو أننا ما زلنا قائمين في فنلندا، لكن الموقع ما عاد مثالياً”.

ويضيف: ”فنلندا موقع جيد في مرحلة البحوث والتطوير، وهو جيد للتمويل الأولي. لكن بعد ذلك، ربما سننتقل إلى بلد آخر من أجل جذب المستثمرين الدوليين. تعتبر الولايات المتحدة أو برلين أفضل لتمويل المرحلة التالية”.

يتأمل سومي الصورة بشكل مساوٍ عن كون الشركة قائمة في فنلندا. ”إذا كنت تعمل بشيء يهدف لتغيير العالم، فأنت تحتاج إلى أن تذهب إلى مكان آخر”.

لكنه يقول إن كونها خارج الولايات المتحدة هو أمر مفيد، وذلك في أعقاب الجدل حول مراقبة الإنترنت الذي أطلقته تسريبات إدوارد سنودِن. ”هناك الكثير من الثقة بمكانة البلدان الاسكندنافية”. هناك فائدة أخرى هي أن حجم فنلندا – التي يسكنها 5.4 مليون نسمة – يعني أن الشركات لا تستطيع أبداً تحمُّل أن تكون منغلقة على ذاتها. يضيف سومي: ”يجب أن نفكر ليس في ما نريده نحن فحسب، بل في ما يريده الناس في الصين، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة أيضاً”.

لقد تغير شيء واحد مع تراجع شركة نوكيا. بدلاً من التطلع إليها. من المرجح أكثر أن الشركات الفنلندية الناشئة ستتطلع إلى شركة روفيو أو سوبرسيل، وهما أحدث شركات الألعاب الناشئة التي اكتسحت العالم. تقول زيلياكوس: ”تشكل شركات الألعاب الناشئة، ونجاحات النمو الكبيرة مثل شركة سوبرسيل، مثالاً رائعاً يحتذى به”.

مع ذلك، فإن الذين يميلون لرؤية الشركات الناشئة كمحرك لاقتصاد فنلندا، ترى أن هناك حجر عثرة كبير هو التوظيف. قد تكون قيمة شركة سوبرسيل ثلاث مليارات دولار، لكنها توظف 100 شخصاً فحسب، في حين كان لدى شركة نوكيا مليون موظف حتى نهاية العام الماضي. يواجه تشتت موظفي شركة نوكيا تحدياَ لسد الفجوة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.