صحيفة الكترونية اردنية شاملة

.. حين يكون الوطن طارداً !

0

تبحث السلطات المصرية والليبية عن مائة وأربعة تائهين في الصحراء، أكثرهم من طبقة عاملة مصرية، ويبدو بعد أيام من البحث، والعثور على جثث موتى من العطش والتعب، أنه لا أمل في انقاذهم!!.

وقصص الهاربين من وطنهم بحثاً عن الخبر يمكن متابعتها في الأخبار اليومية عن غرق قوارب تحمل مهاجرين غير شرعيين في البحر قبالة سواحل الجنوب الإيطالي.. بعضهم إفريقيون وبعضهم مصريون والكثير منهم سوريون!!. وقد تابعنا قصص لبنانيين أخذهم مهربون إلى اندونيسيا لوضعهم من هناك في زوارق توصلهم إلى استراليا!!.

ومن خلال الأخبار الصحفية فإن ما يدفعه المساكين لمجموعات المهربين ليس قليلاً، فمن الموانئ الليبية يدفع مشروع المهاجر – مشروع الغارق في البحر من 1000- 3000 دولار. وقد دفع لبنانيون يريدون الوصول إلى استراليا سبعة آلاف دولار للمهربين الذين تخلوا عن أكثرهم، وغرق الذين غامروا بركوب الزوارق المتهافتة، أما الباقون فقد احتجزتهم شرطة اندونيسيا!!.

وقد يبدو السؤال ساذجاً: لماذا يغامر هؤلاء والموت في الصحراء، أو الغرق في البحر قد يكون المصير الأكثر احتمالاً؟!. ولماذا يعتقد هؤلاء أن أوروبا أو استراليا ستسقبلهم في الأحضان، وسيصلون بمجرد الوصول إلى الحياة الشهية التي يرونها في المسلسلات التلفزيونية، والأفلام، ويقرأون عنها في الصحف والكتب الرديئة؟!.

والجواب واضح: الوطن يطردهم، ولا يجدون فيه الأمن والخبز والكرامة.

لقد كان اللبنانيون أذكى من هاجر إلى المغتربات منذ مجاعات الحرب الكونية الأولى، فقد صاروا سادة التجارة، وصاروا كبار الكُتّاب والشعراء والروائيين في مهاجرهم. وحولوا وما زالوا يحولون جزءاً من مكاسبهم لوطنهم. فقد زادت تحويلاتهم عام 2012 عن عشرة مليارات دولار. لكنهم أن تصل بهم الحال إلى ركوب الزوارق المتهافتة من اندونيسيا إلى استراليا.. فذلك جديد لأن هؤلاء هم سكان مناطق زراعية خصبة في البقاع وعكار.

السوريون وكارثتهم أحدى أقسى قصص الهجرة واللجوء. لأنهم بالملايين، ولأنهم وجدوا أنفسهم في وطن لا يعرفونه. وطن يتقاتل فيه السوري مع الافغاني مع الشيعي، مع السُنيّ مع العراقي، مع الليبي.. وبعد ذلك كله يشهد على التلفزيون احتفال النظام السياسي «بانتصاراته» على الإرهابيين. أين؟؟ في معظمية دمشق، أو قصير حمص!!.

ملايين الأفارقة والعرب يحاولون الوصول إلى أوروبا وأميركا وكندا واستراليا. ولعل الكثيرين لا يعرفون أن إسرائيل تستقبل آلافاً من السودانيين المتسللين إليها عبر حقول الألغام والحواجز الشائكة من سيناء. وعالم الأغنياء يشعر بالخطر من الجياع.. لكنه ما يزال لا يريد رؤية ما تفعله يداه، فالراصد لحركة المال بين الدول النامية والدول الصناعية.. يلاحظ أن المال الذي يصدّره الفقراء إلى الأغنياء هو أضعاف اضعاف ما يصدّره الأغنياء إلى الفقراء. ولولا النفط لكانت حركة المال تقتصر على انسياب مال الفقراء إلى جيوب الأغنياء!!.

أخطر ما يواجهه إنسان، هو الزمن الذي يجد فيه نفسه مطروداً من وطنه!!.

الرأي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.