صحيفة الكترونية اردنية شاملة

خطبة يوم الجمعة

0

يوجد في الاردن أكثر من حوالي سبعة آلاف مسجد وهذا يعني ان هناك عدداً مماثلا من الأئمة والوعاظ والخطباء يتحدثون الى الناس مباشرة كل يوم جمعة ، ولأن مساجد المملكة تفيض بالمصلين الى ساحات المساجد واحيانا الى الشوارع المجاورة فهذا يعني ان ملايين الاردنيين يستمعون الى ما يقارب السبعة الاف خطيب مسجد كل جمعة وبمعدل ٥٢ خطبة في العام الواحد.
هذه أحد نِعم الاسلام للناس كأفراد وللشعوب في مجتمعاتهم المدنية والمحلية ، خاصة وان كل ما كتب عن معاني وفوائد الجمعة يتلخص بانها تشرح للمؤمن بعض امور دينه ودنياه وتقوي من الأواصر بين الناس وتبث الألفة والمحبة بين صفوفهم. والسؤال هو : هل خطبة الجمعة تقوم بهذه المهمة في ظل واقع تنوع الاتجاهات والاجتهادات لآلاف الأئمة والوعاظ التي قد تختلف وتتعارض في المضمون في مسجدين تفصلهما مسافة تقاس بمئات الأمتار .
بالطبع لست من مؤيدي كتابة نسخة واحدة للخطبة توزع على المساجد ، فهذه مركزية تتعارض مع طبيعة تطور المجتمعات واختلاف الثقافات وتباين الاهتمامات حول الشؤون العامة . لكن الخطبة على أهميتها العظيمة تحتاج الى بحوث ودراسات ولقاءات بين أهل العلم والفكر والاجتماع لإنقاذها من عادة ( المدح واللعن ) الى ما يجعلها عامل توحيد للمجتمعات وزرع مكارم الاخلاق والسلوك لمواجهة هذا البلاء الذي يجتاح الأمة ( باسم الدين ) من عنف وقتل وكراهية وحروب مذاهب وفتاوى وطوائف .
تحتاج خطبة الجمعة الى مراجعة من قبل علمائنا الأفاضل في هذا البلد لوضع خطوط عريضة تتناول المواضيع وأساليب الإلقاء بما يؤدي الى الهدف الأساسي المنشود في الحكمة الدينية من هذا الاجتماع العام الأسبوعي للناس . مثل التركيز على مبادئ الاسلام التي تحث على العدل والمساواة ونبذ العنف واحترام القوانين وحسن التعامل ومكارم الأخلاق وإكرام الوالدين والجار الخ . وعن الشأن السياسي العام فان حث المواطنين على نبذ السلبية في الشؤون العامة ، وزرع قيم الحرية والكرامة والمواطنة افضل من تناول المواضيع السياسية باجتهادات مختلفة ومواقف تتناقض من خطيب الى آخر بما يخلق التشويش والتنافر وعدم اليقين بين الناس .
وعن الأداء ما زلت غير قادر على فهم السبب الذي يدعو خطباء الكثير من المساجد ، وليس جميعهم ، الى التحدث بصوت عالً وهو يمسك بيده ميكروفوناً ، قديما كان الصوت العالي مطلوب من اجل إيصاله الى الصفوف الاخيرة من المصلين . اعتقد ان الكلام الهادئ أكثر اقناعاً وتعاملاً مع النفس الانسانية التي تنفر من الصراخ وأساليب التقريع ، وفي ديننا الحنيف تقام الصلوات بصمت وخشوع في المساجد والبيوت ، وحتى في صلاة الجمعة يخشع المصلون لآيات القرآن الكريم فيما يتلوها الامام بصوت دافئ خاشع ويرد من خلفه المصلون بكلمة آمين بنفس الهدوء والخشوع فلماذا الصوت العالي في الخطبة ؟
في المسجد الحرام لا تستغرق خطبة الجمعة والصلاة أكثر من ٢٠ دقيقة ولا يتحدث الخطيب بأكثر من موضوع في امور الدين والدنيا وبصوت كله هدوء ، في العديد من مساجدنا تستغرق الصلاة والخطبة حوالي الساعة . سألت احد الشيوخ في مكة عن سبب قصر الخطبة وحتى الآيات التي تقرأ في الصلاة ( من أقصر السور) أجاب : الجمعة يوم عطلة عند المسلمين ، وعليهم بعد الصلاة واجبات اجتماعية نحو آبائهم ومحارمهم وضيوفهم وزيارة المريض او ان كانوا على سفر، ثم ان هناك بين المصلين من لا يستطيع المكوث طويلا في المسجد بسبب ظروفه الصحية. وختم الشيخ كلامه ، إليك خطبة الوداع التي اختصر فيها الرسول العظيمالاسلام ومسيرته ومواقفه النبوية انها لا تتجاوز الدقائق الخمس ان قرأتها امام الميكروفون .
(الرأي)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.