صحيفة الكترونية اردنية شاملة

التطوُّر أو الانقراض الاقتصادي

أذكر أن رئيس إحدى الجامعات قام ببناء هيكل لديناصور كبير في إحدى ساحات الجامعة الرئيسة، وكان الجميع يتندر من بناء ذلك الديناصور، ولكن بعد نهاية البناء للمجسَّم الكبير والضخم للديناصور بشكله المألوف، وضع رئيس الجامعة عبارة مختصرة أسفل هيكل الديناصور، وكانت تلك العبارة هي “من لا يتطوَّر ينقرض”. والحقيقة أنَّ التشبيه كان ذا معنى كبير لمن يعي أهميته، بل إن كلفة بناء الديناصور حقَّقت عوائد غير مالية كبيرة ومميزة لكل من يفهم العبارة التي وُضِعت أسفل المجسم الكبير، ولعلَّ كبر العبارة وضخامة أهميتها فاق، بالنسبة لي على الأقل، ضخامة التمثال وحجم الإنفاق على إقامته. هو درس عالمي اقتصادي لمن يفهم ويعي أهميته والعبرة منه.

تذكرت كلَّ ذلك ونحن نرى شركات كبرى ومهمة تنهار وتقفل أبوابها، مثل شركة “تويز أر أص” Toys R Us  وهي شركة ألعاب أطفال معروفة بدأت العمل عام 1948 في أمريكا، وذات فروع منتشرة في العديد من دول العام وصلت إلى 1500 فرع في 35 دولة ووصل حجم العمالة فيها ما يزيد على 64 ألف موظف، وقد وصل إجمالي إيرادات تلك الشركة  إلى ما يزيد على 11 مليار دولار، وهو رقم يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للعديد من دول العالم النامي، بيد أن ذلك كله لم يقف أمام الإعلان عن إغلاق الشركة لأعمالها هذا العام، لا لشيء إلا لتراجع وضع الشركة في السوق بشكل كبير وتحقيق خسائر تراكمية كبيرة. والسبب الوحيد في رأيي أن هذا الديناصور التجاري الضخم لم يحاول تطوير منتجاته التقليدية إلى منتجات تتواءم مع ما يحتاج إليه الأطفال اليوم في سوق التكنولوجيا الرقمية والتطبيقات الذكية وعصر التقنية المتقدمة، ووصول الثورة الصناعية الرابعة إلى عصر الروبوتات والتكنولوجيا ثلاثية الأبعاد.

المثل الآخر الذي يعزز من فكرة التطور أو الانقراض الشركة الفنلندية التي طوَّرت هاتف “نوكيا”Nokia  والتي بدأت كأهم شركة للهواتف الخلوية، ونمت بشكل كبير وصل إلى اختراق أسواق العالم أجمع، إلى أن بات هاتف نوكيا حلماً للجميع، بيد أن مكانة تلك الشركة تراجعت بشكل كبير بعد تطوُّر هواتف شركة أبل وشركات أخرى مثل سامسونغ وهواوي وغيرها من الهواتف التي باتت تعدُّ هواتف ذكية تتعدى استخدامات المكالمات والرسائل النصية إلى تطبيقات ذكية في شتى المجالات، بما فيها طلب سيارة أجرة، أو معرفة التطبيقات الصحية والتغذية المناسبة، إلى تطبيقات الدفع وطلب المنتجات الغذائية والملابس والخدمات العامة وغيرها.

وقد كادت شركة نوكيا تختفي وتندثر لولا أنها اليوم تحوَّلت بشكل كبير نحو الهواتف الذكية، وبدأت بشكل أكبر بالبحث عن مجالات عمل تتفوق على بعض المنافسين، ولعلها تعود إلى السوق بشكل كبير قريباً، وقد باعت الشركة ما يقرب من 70 مليون جهاز خلال العام 2016 وفي 170 دولة تواجدت بها حول العالم. الشركة التي لا ترغب بأن تنقرض من الساحة الاقتصادية طوَّرت نفسها وأنفقت على البحث والتطوير، وخاصة في مجال مزاج وميول المتعاملين مع سوقها. الشاهد مما سبق أن الحياة تتطور بشكل متسارع لم يسبق له مثيل، ففي الوقت الذي أخذ انطلاق الثورة الصناعية الثانية المرتبطة بتطوير الآلة والثورة الصناعية الثالثة المرتبطة ببداية الحوسبة والتكنولوجية التقليدية، فترة وصلت إلى ما يزيد على مئة عام، لكي يتسنى للمجتمع بالشعور بآثارها في تطوير الحياة الاقتصادية والاجتماعية للناس، فإن الثورة الصناعية الرابعة، ثورة تكنولوجية المعلومات والاتصالات، أخذت أقل من 15 عاماً فقط لتظهر آثارها على المجتمع وتتسارع بشكل يكون اللحاق به لمن يستطيعون استشراف المستقبل ويعملون على تطوير اقتصاداتهم وإمكاناتها وقدراتهم.

مما سبق جميعه يتضح أنَّ الهم الأكبر لصُنَّاع القرار اليوم يجب أن يكون في تطوير الاقتصاد وفي اللحاق بما تفرضه متطلبات المستقبل وليس فقط ما نواجهه من تحديات.

الحكومات والاقتصادات التي تُصِرُّ على أن تعمل بشكل تقليدي ينحصر في المديونية والعجز المالي والتحديات الآنية لن يكون لها أثر يذكر على الأجيال القادمة أو حتى الحالية. الحكومات التي لا تتطوَّر آلية عملها ولا تراعي متطلبات استشراف المستقبل خاصة في تطوير التعليم وتطوير الخدمات الحكومية العامة، وفي مجالات التطبيقات الذكية والفضاء الخارجي المتطور وتكنولوجيا النانو والتكنولوجيا ذات الأبعاد الثلاثة، تلك الحكومات سينقرض أثرها وتنقرض تركتها الاقتصادية والاجتماعية، حتى قبل أن تغادر موقعها. وختاماً، يمكن القول صراحة: إنَّ تطوير الخدمات الحكومية في الأردن وفق تطبيقات ذكية، ووفق تسهيل في الإجراء، وضمن شفافية ومساءلة تسمحان بتحسين موقعنا التنافسي في المنطقة والعالم، هو التطوير الأهم اليوم من أي إجراء له علاقة بالضرائب أو بالتحصيل أو بالجباية الضريبية.

[email protected]

التعليقات مغلقة.