صحيفة الكترونية اردنية شاملة

واشنطن.. وأجواء تأبين «ماكين»

جيمس زغبي

تصادمت أثناء الأسبوع الماضي في واشنطن، المُثُل السياسية التي نطمح إليها مع واقع ما أصبحنا عليه. فقد بدأ الأسبوع بتأبين السيناتور الراحل «جون ماكين»، الذي كان الحافز في حياته، مثلما وصفه البعض، الكياسة التي تسمو فوق الحزبية، والالتزام بالدعوة العليا لخدمة الدولة والمواطنين. وانتهى الأسبوع بالكشف المقلق عن ما وصفه أحد المسؤولين في الإدرة بأنه بيت أبيض مضطرب يقوده رئيس محب للانتقام ويتصرف بطريقة غير مقبولة. وغلبت على بقية الأسبوع جلسة تأكيد مرشح الرئيس ترامب لشغل منصب قاضي المحكمة العليا، والتي عقدتها اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ.
ويجب الإقرار بأنني تابعت تأبين «ماكين» بمشاعر متباينة. فقد كان من المستحيل عليّ كأميركي ألا أشعر بالإلهام من قصة حياته والتزامه بخدمة بلاده. فقد كان «ماكين» شاباً أصغر من أن يكون جزءاً مما يوصف بـ«الجيل الأعظم» الذي عاش أثناء الكساد الكبير، ومن ثم خاض الحرب العالمية الثانية، لكنه على رغم من ذلك جسّد مُثُل ذلك الجيل ومبادئه.
وقد كانت لدي اختلافات كثيرة مع نهج «ماكين» بشأن السياسات الخارجية، وتجادلت معه بشأن رفضه العنيد الاعتراف بالانتهاكات التي تعرض لها الفلسطينيون كجزء من السياسات الإسرائيلية. واختلفت كذلك مع شغفه بما وصفته ذات مرة «بعدم رؤية أي صراع لا رغبة له في إنهائه». وبالطبع، اختلفت مع سياساته المحلية المحافظة.
لكن في الوقت ذاته، أتذكر جهوده المتجاوزة للحزبية في عام 1990 لتمرير قانون إصلاح تمويل الحملات الانتخابية وإصلاح الهجرة، وموقفه الراسخ ضد سياسات التعذيب التي مارستها إدارة بوش الأب. وعلى الصعيد الشخصي، لا يمكنني أن أنسى كيف أنه اتصل بي بعدما سمع بالتهديد الذي تلقيته إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وسألني عما إذا كان بمقدوره فعل أي شيء لدعمي وحمايتي أنا وأسرتي. وعندما هاجم بعض زملائه في الحزب «الجمهوري» مساعدة هيلاري كلينتون «هوما عابدين»، واتهموها بوجود روابط مع مسلمين متطرفين، أدركت أن بمقدورنا الاعتماد على «جون ماكين» في الدفاع عنها. وقد أصدر إدانة قوية لتلك الهجمات وتحدثت أنا وهو عن الحاجة إلى تطهير بلادنا من هذا التعصب.
وأثناء تأبينه، جاء أفضل رثاء لـ«ماكين» من الرئيس السابق باراك أوباما الذي وصف نهجه تجاه واشنطن قائلاً: «إن كثيراً من سياساتنا يمكن أن تبدو ضئيلة ووضيعة، ويتم تداولها بأسلوب منمق، وبجدالات تافهة وغضب مصطنع، وهي سياسات تبدو شجاعة، لكنها في الحقيقة خرجت من رحم الخوف. وقد كان (جون ماكين) هو من يدعونا إلى أن نكون أكبر وأفضل من ذلك».
ومثلما أوضح أوباما، إن الكاميرات سجلت جميع الحضور، من «جمهوريين» و«ديمقراطيين» بما في ذلك أفراد خدموا في الإدارات الثماني السابقة، وآخرين يخدمون حالياً في البيت الأبيض. وبدا أن الجميع موافقون، فقد ألهمتهم الكياسة والأمانة اللتان ميزتا حياة الرجل الذين اجتمعوا لتأبينه، وقدرته على تجسيد المبادئ الأميركية.
وللحظة، سمحت لنفسي أن تتمنى أن يكون لذلك تأثير على سياستنا في واشنطن. لكن ذلك كان للحظة واحدة، فسرعان ما أعدت نفسي للواقع؛ إذ كان حفل التأبين مثل العظة التي نسمعها ونقول «سنكون أفضل حالاً»، قبل أن نعود في اليوم التالي ونسقط في السلوكيات السيئة ذاتها.
وبالطبع، عندما يعود الكونجرس للانعقاد يوم الثلاثاء المقبل، فإن جلسات الاستماع التي سيعقدها مجلس الشيوخ لتأكيد القاضي المرشح للمحكمة العليا ستبدأ حتماً بملاحظات حزبية حاقدة. فمن الواضح أن «الجمهوريين»، الذين يمتلكون الأغلبية، يعتبرون المسألة برمتها مجرد إجراء شكلي، إذ أن لديهم الأصوات الكافية للدفع بمرشح ترامب، وقد أوضحوا أن ذلك سيكون وفق شروطهم.
وقد اشتكى «الديمقراطيون» من أنه لم يتم إطلاعهم على جميع ملفات المرشح، خصوصاً تلك التي تتناول آراءه التي كتبها أثناء عمله في إدارة الرئيس جورج بوش الابن. وكثير من تلك الملفات تتناول أموراً ستُعرض على المحكمة العليا. وطالب «الديمقراطيون» بالاطلاع على هذه الملفات، لكن طلباتهم قوبلت بالرفض على أساس أن تلك الملفات صُنّفت «سرية». وما يجعل الوضع أسوء، اكتشاف أن الشخص الذي كلّفه «الجمهوريون» بمراجعة الملفات وتحديد ما إذا كان ينبغي تصنيفها «سرية» وعدم نشرها للرأي العام، كان موظفاً سابقاً لدى القاضي المرشح.
ولأن في المحكمة العليا انقساماً متساوياً في الوقت الراهن، فسيكون لمرشح الرئيس، إذا ما تم تأكيد تعيينه، الصوت الحاسم. ولأن المحكمة ربما تفصل في قضايا تؤثر على الرئيس، مثل ما إذا كان ترامب مذنباً في «عرقلة سير العدالة» أو ما إذا كان انتهك حظر الدستور تربح الرئيس من منصبه، أو ما إذا كان يمكنه العفو عن نفسه أو منح عفو عام عن قائمة مساعديه الذين أدينوا أو اعترفوا بارتكاب جرائم، فيرغب «الديمقراطيون» في التأكد من موضوعية والتزام المرشح بالنزاهة وحكم القانون.
وفي خضم هذه الجلبة، كنا قد وصلنا إلى منتصف الأسبوع، ووقع حدثان منفصلان، لكن تأثيراتهما مترابطة. الأول: هو صدور مقتطفات من كتاب «الخوف» الذي سينشر قريباً لمؤلفه «بوب وودوار» الحائز على جائزة «بولترز». والذي يرتكز على مقابلات مع عشرات المسؤولين الحاليين والسابقين في الإدارة. وينقل الكتاب عن مسؤولين بارزين وصف الرئيس بأنه «قليل المعلومات». ويؤكد أولئك المسؤولون أنهم كثيراً ما يجدون سبلاً لتقليص أوامر الرئيس من أجل حماية الدولة من تقلبات خطيرة. وأما الحدث الثاني: فقد نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقال رأي كتبه «مسؤول رفيع المستوى في إدارة ترامب» لم يتم الإفصاح عن اسمه، يعزز طرح «وودوارد» في كتابه.”الاتحاد”

التعليقات مغلقة.