صحيفة الكترونية اردنية شاملة

درس من الحياة – 41 : الملك يجلس فوق بالسماء

0

في كتابه بعنوان ” المواجهة بالكتابة ” والذي تم إشهاره يوم السبت 12 / 8 / 2017، يقول مؤلفه الصحفي والوزير السابق طاهر العدوان ما يلي وأقتبس :
” زارني في مكتبي على خلفية هذه القضية ( قضية نشر خبر في صحيفة العرب اليوم عن وزراء يتعاملون بالبزنس ) الدكتور صلاح البشير وزير العدل، كما زارني في وقت آخر الدكتور باسم عوض الله وزير التخطيط. ودحض الوزيران كل على انفراد ما يدور من إشاعات عن انشغالهما بالبزنس. وأبلغانا بأنهما لا يؤيدان توجه الرئيس ( رئيس الوزراء فيصل الفايز ) برفع قضية ضد العرب اليوم. في الزيارتين كان حاضرا كل من فهد الخيطان وسلامه الدرعاوي.
كان اللقاء مع الدكتور باسم عوض الله فرصة لإجراء حوار معه، حول أفكاره والسياسات التي يتبناها، بوصفه الممثل البارز لليبرالية الجديدة. لقد سرد لنا قصة شركة الاستيراد والتصدير، التي أقامها مع أحد أقاربه في عام 1997، وكيف أنه استدان مبلغ 20 ألف دينار من البنك لأعمال هذه الشركة، وأضاف بأن شريكه عجز بعد ذلك عن السداد، وأنه يقوم بتسديد هذا المبلغ من راتبه الحكومي.
ثم دار نقاش سياسي معه حول السياسات العامة في البلاد، فقال في معرض حديثه : بأن الملك عبد الله الثاني يجلس فوق بالسماء على ارتفاع 36 ألف قدم، وهو من هناك يرى شعبه وبلده على الأرض من خلفه، كما يرى مساحات واسعة من المستقبل، وأنه يقود بلاده إلى هذا المستقبل المشرق الذي يريده. قلت له مستغربا : كيف لسيدنا أن يقودنا وهو يجلس على ارتفاع هذه المسافة البعيدة في السماء، ألا يحتاج لكي يقودنا أن ينزل إلى الأرض، يسير أمامنا، يرانا ونراه ؟
حاولت أن اشرح له أهمية أن يكون الملك متواجدا بين صفوف شعبه، وأن التحديث في الدولة لا يعني العيش في عزلة عن المكونات الاجتماعية للشعب، وفي مقدمتها العشائر الأردنية، التي شكلت دائما اللُحمة القوية التي يستند إليها النظام عند ظهور المخاطر. على أي حال رفعت حكومة الفايز قضية جزائية على العرب اليوم ضدي كرئيس تحرير مسؤول، وضد فهد الخيطان كاتب المقال.
وبعد جلسات عديدة في المحكمة، أصدر القاضي قراره بالإدانة وتغريم كل واحد منا مبلغ خمسة دنانير كغرامة والرسوم. أصررّت على استئناف الحكم لدى محكمة الاستئناف، ذلك لأنه وإن كان الحكم رمزيا إلا أنه يتضمن الإدانة. وبعد أشهر قضت محكمة الاستئناف بالبراءة لي ولفهد الخيطان. وهذا وجه من وجوه العدالة البيضاء في موقفها من حرية الصحافة.
في السنوات التالية سيطر التوتر أحيانا كثيرة، على العلاقة بين العرب اليوم وبين الدكتور باسم عوض الله. وإن كنت أختلف معه في معظم سياساته وأفكاره وتوجهاته، فإن ذلك لم يخفِ حقيقة أنه رجل الليبرالية الجديدة في الأردن، وأنه من أكثر الشخصيات تأثيرا على السياسات التي شهدتها البلاد، خلال السنوات العشر الأولى من هذا القرن، وأن تأثيره فيها لا يزال قائما حتى وهو خارج الحكومة والمواقع الرسمية.
هو يختلف تماما عن صف من السياسيين المحافظين، الذين عرِفتْهم السياسة المحلية والدولية، الذين كانوا ينتقلون من موقف إلى آخر نقيض له دون أن يرمش لهم جفن. لم يكن الدكتور عوض الله متلقيا للأوامر فقط كموظف كبير، إنما صاحب فكر ونهج وأسلوب، ولم يتردد في الانسحاب من الموقع الذي هو فيه، إن وجد أنه لا يستطيع تنفيذ ما يريد. لقد امتلك جرأة غير معهودة في تقديم أفكاره وتبني آلية تنفيذها، بما فُوض له في موقعه من سلطة قرار، وكان لا يبالي إن خلق خلال عمله الخصوم والأعداء.
لقد ذهب إلى رأس النبع، إلى القصر، ليصنع من هناك قوة واسما ونفوذا، بما صنع من تأثير على رأس الدولة في تبني ما يقدم من أفكار، ويعرض من برامج وطروحات في السياسة كما في المال والاقتصاد، مستغلا الرغبة الملكية في تحقيق إنجازات سريعة في كل جانب من جوانب الاقتصاد الوطني، وتطوير التعليم، وهيكلة الإدارة، حسب المفاهيم الحديثة.
وأخيرا برع عوض الله في طرح مشاريع إعادة تفكيك وتركيب سلطات الدولة، من خلال ندوات ومنتديات وتوصيات ومقررات، على رأسها لجنة الأجندة الوطنية، التي شُكلت في عهد حكومة فيصل الفايز، مشاريع وجدَتْ دائما مقاومة لها من الأوساط السياسية والاجتماعية “. انتهى الاقتباس.
* * *
* سؤال : أليس ما نقطفه هذه الأيام من مديونية عامة وتردي الأوضاع الإدارية والمعيشية بين عامة الشعب، هو ثمرة تلك السياسات الرديئة، وتلاعب الليبراليون الجدد في مصير الأردنيين، وهم من وعدونا بالازدهار وتحويل الرمال ذهبا، ولكنها تحولت بفضل جهودهم إلى كوابيس مزعجة، تقلق الأطفال قبل البالغين في هذا الوطن المبتلى بخصومه في الداخل؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.