صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أسعارُ الفائِدَة

الأردن بحاجة إلى سياسات اقتصاديّة جديدة تَستند إلى الحداثة والابتكار، بحيث تكون بوصلتها موجّهة إلى مُكافحة الفقر والبطالة واستحداث وظائف جديدة والابتعاد عن السياسات التقليديّة

خلال العامين الماضيين رَفَعَ البنكُ المركزيّ أسعار الفائدة ست مرّات، تجاوباً مع رفع البنك الفيدراليّ الأمريكيّ لأسعار الفائِدَة، وهذا أثرٌ طبيعيّ ومتوقع من الدول التي ترتبط عملتها بالدولار، فالقرار الذي تلجأ إليه الدول ومنها الأردن هو المحافظة على سعر مُستقر للعُملة، وهذا ما نجح به البنك المركزيّ خلال السنوات الماضيّة في ظل أصعب الظروف والتحدّيات الاقتصاديّة.

اليوم، من المرجح أن يستجيب البنك المركزيّ لقرار الفيدراليّ الأمريكيّ ويرفع أسعار الفائِدَة التي ارتفعت هذا العام أربع مرّات قبل الزيادة الأخيرة، وهذا الأمر كما لهُ تداعيات إيجابيّة على سعر الصرف واستقراره إياها، له أيضا تداعيات سلبيّة على قطاعات مُختلفة يجب على كافة المعنيين دراستها.

رفع أسعار الفائِدَة على الدولار سَيُساهم في زيادة الأعباء الماليّة المُترتبة على جهود الحكومة في الحصول على قروض خارجيّة تحديداً من الولايات المتحدة أو أيّة قروض من المؤسسات الدوليّة والمانحين بالدولار، حتى قروض السندات اليوروبنود المَكفولة وغير المَكفولة من الدول الصديقة، ولا ننسى أن أخر قرض دوليّ حَصَلت عليه المملكة من سندات اليوروبنود بقيمة مليار دولار كانت بفائِدَة ٧.٢ بالمئة، وهي نسبة مُرتفعة جداً بالمقاييس الائتمانيّة، فهل تستطيع الحكومة تحمل أعباء فائِدَة اعلى من ذلك؟

الحُكومة أعلنت قبل أيام أنها تسعى للحصول على قرض سندات يوروبنود جديدة بقيمة ١.٢٥ مليار دولار، فإذا لمّ تحصل على كفالة حُكوميّة أمريكيّة على القرض، فانه من المُرجح أن تكون أسعار الفائدة عالية جداً.

التأثير السلبيّ الآخر من ارتفاع أسعار الفائِدَة هو على البيئة الاستثماريّة خاصة إذا ما علمنا أن مُعدّل أسعار الفائِدَة على الودائع تصل في الوقت الراهن إلى ٦.٥ بالمئة تقريباً، وبالتالي أيّ زيادة جديدة على أسعار الفائِدَة ستكون لها جاذبيّة لرجال الأعمال والمستثمرين وأصحاب الأموال للتوجه للإيداع بدلاً من الاستثمار والمخاطرة بأموالهم في المشاريع، وهذا أمر مُرجح وطبيعيّ أن حدث، خاصة إذا ما كانت الجهود الاستثماريّة الرسمية في جذب المستثمرين لا تحقق أهدافها الصحيحة والمرجوة منها.

تأثيرُ أخر سَيَطال المُقترضين جراء ارتفاع أسعار الفائِدَة خاصة المُقترضين للاستثمار والتمويل الصناعيّ والتحصيلات على التمويل لأعمالهم التجاريّة، والمقترضين العقاريين على مختلف مُستوياتهم، إضافة إلى صغار المُقترضين والتي تجاوزت اليوم بعض الفوائد ٩.٣ بالمئة، الأمر الذي سيكون له أثار سلبيّة اقتصاديّة، على الحركة الاقتصاديّة والمعيشيّة لشرائح المُجتمع المُختلفة، والتي ستتأثر دخولهم سلباً وتراجع قوتهم الشرائيّة بنسب مُتَفاوتة.

لكن إضافة إلى الأثر الإيجابيّ لرفع أسعار الفائِدَة على الدينار وكبح جِماح التضخم هناك أيضاً أثر إيجابيّ أخر وهو انخفاض أسعار السِلع المُستوردة التي يتم شراؤها بغير الدولار الأمريكي، حيث أن الدينار سيرتفع أمام هذه العملات، وربما يشهد المودعون بعض الارتفاع في أسعار الفائدة على الدينار الأردني والدولار، وهنا لابد من الإشارة إلى انه ليس على البنك المركزيّ أن يرفع أسعار فائدة الدينار في كل مرّة ترتفع أسعار فائدة الدولار، وهو أجراء اتبعه البنك المركزيّ الأردني كثيرا في السابق. كُل ما هو مطلوب الإبقاء على هامش بسيط بين فائدة الدينار والدولار لأن الدينار مُستقر كما كان دوما وهذا يأتي بفضل سياسة البنك المركزي الأردنيّ الذي استطاع على مرّ التاريخ المُحافظة على الاستقرار النقدي (باستثناء ما حصل في عام 1989).

الأردن بحاجة إلى سياسات اقتصاديّة جديدة تَستند إلى الحداثة والابتكار، بحيث تكون بوصلتها موجّهة إلى مُكافحة الفقر والبطالة واستحداث وظائف جديدة والابتعاد عن السياسات التقليديّة التي أدت للوضع الاقتصادي الذي هو عليه الآن.

المطلوب هو تعاون بين كافة الجهات المعنية عن السياستين الماليّة والنقديّة   للوصول إلى تفاهمات تحدّ قدّر الإمكان من الآثار السلبيّة لارتفاع أسعار الفائِدَة على دخول الطبقات الاجتماعيّة المُختلفة وهذا أمر ليس بالمُستحيل.

[email protected]

التعليقات مغلقة.