صحيفة الكترونية اردنية شاملة

قطاع الخدمات

طاع الخدمات الأردني كان ومازال من أهم القطاعات المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص، فمعظم الخدمات الرئيسة من صحة وتعليم ونقل واتصالات وخدمات لوجستية يتم تقديمها من الجانبين

في مفهوم التنوع الاقتصادي، يتطلَّب الوزن والأهمية النسبية للقطاعات الاقتصادية الاهتمام دوماً بالقطاعات الأكثر توليداً للوظائف، والدخل القومي، وبالتالي للنمو والتنمية الاقتصادية. اقتصادنا الأردني كان، وسيظل دوماً، مدعوماً بتنوع قاعدته الاقتصادية، لطبيعة توافر الموارد المتاحة لديه. وسيظل في رأيي، قطاع الخدمات بمفهومه الشامل الأكثر توليداً للدخل والوظائف، والأكثر تأثيراً في النمو والتنمية. قطاعات الخدمات الأردني، بمفهوم خدمات السياحة، والصحة، والتعليم، والتجارة، والخدمات المالية والتأمينية، وخدمات النقل، والدعم اللوجستي، وخدمات تكنولوجيا المعلومات وغيرها من الخدمات، تمثل اليوم أكثر من ثلثي توليد الدخل القومي في الدولة.

وهو أمر يتطلب معه الاهتمام بتلك الخدمات عبر سياسات تؤكد أهمية الجودة في تقديمها، فالجودة تعني تحسين مستوى أداء الخدمات، وبالتالي تحسين أداء كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى دون استثناء. فقطاع الزراعة، وقطاع الصناعة، لا يمكن لهما أن يعملا بشكلٍ جيِّدٍ دون خدمات ذات جودة عالية في مجال النقل، والاتصالات، والخدمات المصرفية والتأمينية المميزة، وخدمات الدعم اللوجستي بشكل شامل. وعليه، فإنَّ قطاع الخدمات، الذي بدوره يتميَّز بكثافة استخدام العنصر البشري، هو أحد أهم منافذ النمو الاقتصادي، بل هو المخرج الأساس للمعضلات الاقتصادية التي تمرُّ بالبلاد، ذلك إن تمَّ إدارته بفكر تحسين مستوى جودة وتنافسية الخدمات، أو المنتجات التي يقدمها. وهو أمر يتطلب أن تلعب الحكومة، وهي أكبر مزود للخدمات في البلاد، دوراً محورياً في تحسين مستوى وكفاءة ما تُقدِّمه من خدمات، هذا من جهة، وأن تكون هي المنظم، والمراقب، والمُحَدِّدَ الرئيس لجودة الخدمات التي يجب أن يقدِّمها القطاع الخاص، وضمن شروط عالية الجودة، ومراقبة ومحاسبة عالية التأثير من جهة أخرى.

قطاع الخدمات الأردني كان ومازال من أهم القطاعات المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص، فمعظم الخدمات الرئيسة من صحة وتعليم ونقل واتصالات وخدمات لوجستية يتم تقديمها من الجانبين، ويكاد القطاع الخاص يسيطر على العديد من هذه الخدمات، ما يستدعي أن تقوم الحكومة بدورٍ محوريٍّ في ضمان جودة الخدمات المقدمة، ضمن مراقبة ومحاسبة وحوكمة عالية الجودة، وضمن المعايير العالمية المعروفة في هذا الصدد.

ولضمان ذلك فإنَّ الشرط الأساس أن تبدأ الحكومة بنفسها عبر تحسين وتجويد ورفع كفاءة الخدمات التي تقدمها، وعبر التحوُّل بشكل نوعي مميز إلى الخدمات الذكية التي تجعل من السهل الحصول على خدمات الحكومة دون عناء وبشافية وحاكمية عالية تمنع الواسطة والمحسوبية، وأي وجه من أوجه الفساد الذي يتولد أساساً عن الحاجة إلى الاحتكاك المباشر مع القائمين على تقديم الخدمات.

النماذج العالمية في هذا المجال متوافرة في العديد من الدول المتقدمة والاقتصادات الناشئة، بل وفي دول المنطقة، ولنا في دولة الإمارات أنموذجاً حياً في تطوير خدمات الحكومة الذكية، وفي التميز في كافة الخدمات العامة من جهة، وفي وضع قواعد تميز القطاع الخاص، وكيفية الرقابة والمتابعة عليه لتوفير الخدمات من جهة ثانية، ونوع الدعم اللوجستي الحكومي الذي يجعل القطاع الخاص أكثر قدرة على توفير خدمات مميزة وتصدير الخدمات إلى الخارج من جهة ثالثة. قطاعات الخدمات جميعها قطاعات تصديرية، ويجب أن تُعَامَلَ على أنها كذلك. فقطاع السياحة، والصحة، والتعليم، والنقل، وتكنولوجيا المعلومات وغيرها، جميعها قطاعات تصديرية تستطيع أن توفِّر للدولة موارد كبيرة من العملة الأجنبية، وهي قادرة على تشغيل كافة القطاعات الأخرى، وناهيك عن كونها من أهم مولدات الوظائف النوعية التي تتناسب وكفاءة وقدرات المورد البشري الأردني.

الأردن بحاجة ماسة إلى وضع سياسة وطنية متكاملة لقطاع الخدمات بمكوناته المختلفة، يكون أساسها فتح القطاع للتنافسية، وتحسين مستوى جودة الخدمات، ووضع ضوابط تكفل تقديمها وفق معايير جودة عالمية، وتمنع استغلال بعض القائمين عليها للمستهلكين سواء أكانوا من داخل الدولة أم من خارجها. وأختم بمثال حي يشهده قطاع الخدمات في دبي هذه الأيام، وهو فعاليات الدورة الرابعة والعشرين من “معرض جلفود 2019″، الذي يعدُّ المعرض الأكبر عالمياً في قطاع الأغذية والمشروبات.

هذا المعرض تشارك فيه 120 دولة، ويتوقع أن يشارك فيه نحو 10 آلاف شخص من خارج الدولة، وما يعنيه ذلك من حركة اقتصادية متكاملة لكافة القطاعات الأخرى في دبي.

وهذا المعرض وغيره من المعارض العالمية تقام جميعها في المركز التجاري العالمي في دبي، وهو موقع معروف للعديد من الأردنيين الذي يأتون إلى دبي خصيصاً لحضور المعارض والمؤتمرات العالمية التي تعقد في هذا المركز الذي يقدم فقط خدمات المعارض والمؤتمرات. المهم أن حصيلة ما أدخله هذا المركز على اقتصاد الدولة العام الماضي تجاوزت 12 مليار دولار أمريكي، ناهيك عمّا قدَّمه من أثر غير مباشر على كافة مرافق الدولة، من مولات تجارية، وقطاع نقل، وخدمات فندقية وسياحية وغيرها. هذه المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي لدبي تُشكِّل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي للأردن، ولعلَّ هذا النموذج يفتح الأعين على أهمية رعاية قطاع الخدمات، وتحسين جودته، والعمل على صياغة سياسة وطنية تجعله مساهماً فاعلاً في الاقتصاد الوطني، عبر وثيقة سياسات تكفل معايير الجودة العالمية، وتكفل التنافسية، وكسر الاحتكار، وعدم محاباة أحد، وتكفل فتح القطاعات الخدمية للاستثمار الأجنبي الجاد وبنسب ملكية كاملة.

 

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.