صحيفة الكترونية اردنية شاملة

البطالة عنوان المرحلة

التنمية الاقتصادية هو الكفيل للاستقرار، وهو الكفيل لتنظيف مجتمعنا من الشوائب التي تعاني منها والطاردة للاستثمار ومن أهمها استخدام منصات التواصل الاجتماعي مكانا للذم والقدح والمعلومات المضللة

زاد قلقي من سجل نسب البطالة العالية في بلدنا خلال وجودي في المملكة المتحدة عندما عملت فيها سفيرا خلال الأعوام 2011-2017، ان كنت اسمع من المسؤولين البريطانيين أن التهديد الرئيسي الذي يواجه استقرار المملكة من وجهة نظرهم وحلفائهم هي البطالة ونسبها العالية، وان مثل هذه النسب تعتبر تهديدا لاي دولة في العالم وليس الأردن وحسب، ويزيدها حالة عدم الاستقرار في المنطقة تحدي.

وهذه من الأسباب التي دعت بريطانيا مشكورة لقيادة الجهد مع حلفائها الأوروبيين من اجل تسهيل قواعد المنشأ للسلع الأردنية المصدرة الى أوروبا لمنح الأردن ميزة إضافية للاستثمار، وأيضا انفرادها بالدعوة الى مؤتمر دولي لدعم الاقتصاد الأردني نهاية الاسبوع الحالي في لندن.

الأمين العام السابق لوزارة العمل السيد حمادة أبو نجمة، وعلى شاشة تلفزيون المملكة، صرح بأن معدل نسبة البطالة اليوم هي 18،6% ويترجم ذلك الى نحو 300 ألف مواطن عاطل عن العمل.

وأضاف ان نسبة المشاركة الاقتصادية، وهو مقياس لمشاركة السكان في سوق العمل، هي 36،8% من السكان القادرين على العمل، أي ان نحو 64% من هذه الفئة لا يعملون، مضيفا بأن تعريف هؤلاء في قاموس علم العمل والعمال هم الفئة المحبطة.

وفي رده على مقدم البرنامج عن الحلول لهذه المشكلة قال ان على الدولة ان تبتعد عن السياسة الرعوية وان توقف سياسة الاسترضاء.

اما رئيس اللجنة الإدارية في مجلس النواب النائب علي الحجاحجة فقد اقترح ثورة بيضاء.

عندما نتابع نهج الدول في العالم الحديث اليوم، والتي تعاني بعضهم نسب بطالة ومديونية أكثر من الأردن، نجد أن أولوية هذه البلدان هي المحافظة على اسواق العمل لديها مما يضطرها في بعض الأحيان اتخاذ قرارات واجراءات غير مسبوقة للمحافظة على بيئة العمل.

وأكبر دليل على ذلك ما شاهدنا في قرار بركزت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمساعي الامريكية لإقامة سور تفصلها من جارتها المكسيك.

برغم ان نسبة البطالة في هذه الدول غير مرتفعة بالمقارنة مع الاردن.

هنالك طريقتين لمشكلة البطالة: اما من خلال تصدير العمالة كما عملنا مع قطر وكما فعلت المكسيك مع الولايات المتحدة الامريكية في بداية التسعينيات من القرن الماضي، او من خلال الاستثمار.

الواقع الأردني يمكن ان يقدم طريقة ثالثة وهو ان يحل العامل الأردني محل العامل الوافد. وفي مطالعتي هذه سأركز على الحل الثاني، حيث ان للحل الثالث ابعاد تتجاوز القواعد العملية للحلول الاقتصادية.

أن إيجاد حلول مبتكرة للبطالة على سلم أولويات دول العالم، فإذا واجهت نسب بطالة تفوق 5% تصبح العمالة في مقدمة سلم الأولويات، أي يصبح حل مشكلة البطالة عنوان ونهج ولغة وثقافة الحكومة، ليس فقط بالحديث عنها، ولكن بالعمل الجاد الممنهج.

محليا، معنى ذلك ان تتآزر اجهزة الدولة لخلق فرص عمل، او المحافظة على الموجود، ويصبح ذلك الاولوية وثقافة مؤسسات الدولة وموظفيها، فيصبح تعزيز بيئة الاستثمار لمكافحة البطالة حديث المساجد والكنائس ووسائل الإعلام كافة، فتعطي وزارة الأشغال العامة والبلديات، مثلا، الاولوية لفتح طرق تصل بين التجمعات السكانية والمدن الصناعية، وتحفز وزارة النقل وسائط النقل للعمل على هذه الطرق، وتقوم وزارة الخارجية بتحديث نهج عملها من خلال ادخال استقطاب الاستثمار وتنمية التجارة الى مناهج عملها من خلال السفارات الأردنية المنتشرة في أكثر من خمسين دولة في العالم.

ويحضرني هنا ما قاله سفير ماليزيا في الاْردن عام ٢٠٠٥، الذي ذكر انه زار 260 مصنع عندما كان سفيرا في السويد كمهمة أوكلت اليه، ونجح في استقطاب مصنع لماركة عالمية لصناعة قطع السيارات في بلاده وأصبح لاحقا يصدر انتاجه لمصانع السيارات في بلده الام.

وتسن وزارة المالية القوانين المالية والجمركية التي تواكب هذه السياسات، كما تعمل قطاع الطاقة على تقديم الأسعار التفضيلية للمستثمر، ويصبح هذا نهج وثقافة كافة عمل السلطات الثلاثة لتصبح لغتنا في اي قرار او تشريع هي المحافظة على سوق العمل او خلق فرص جديدة من خلال تحفيز الاستثمار وتنمية الصادرات، ويتم محاسبة الجميع وفق هذا المقياس.

وبهذا الصدد، فان الحديث عن الاستثمارات المستهدفة حاليا بانها سوف تزيد نسبة النمو الاقتصادي مما سيخلق فرص عمل جديدة باعتماد الحكومة على أرقام النمو بين الأعوام ٢٠٠٢ الى ٢٠٠٨ التي فاقت معدلها 6%، فان نسب النمو العالية هذه إذا لم يكن مصدرها الاستثمارات ذوات العمالة الكثيفة بدل الاستثمارات ذوات المردود المالي العالي من الاقتصاد المعرفي فقط، فهذا لن يحل مشكلة النسبة الأكبر من العاطلين عن العمل.

فالذين يزحفون الى عمان باحثين على عمل ليس لديهم فرصة في شركات تكنولوجيا المعلومات او الادوية التي بالتأكيد لهما قيمة مالية مضافة مهمة.

فإذا أردنا الاستشهاد بالدول التي نجحت اقتصاديا من بدايات شبيهه لنا اليوم، فهي بحثت أولا عن الاستقرار الاجتماعي حيث شجعت بداية استثمارات ذوات كثافة عمالية عالية لحل مشكلة البطالة. ومع ذلك، فأننا اليوم وبفضل الرؤيا الملكية الحكيمة، بوضع أفضل من غيرنا، فبإمكاننا العمل بالمسارين معا. فقد فبدأنا بنجاح في الاقتصاد المعرفي، وعلينا الاستمرار. ولكن علينا استقطاب الاستثمارات ذوات العمالة الكثيفة (ليس فقط الملابس)، وإلا وكيف سيجد العاطلون عن العمل فرصة، في ظل ان نسبة البطالة التي بلغت 15% خلال سنوات نسب النمو العالية المذكورة، وهي ذات السنوات التي سبقت الانهيار الاقتصادي العالمي وظروف عدم استقرار المنطقة، أي ان نسب النمو العالية لم تكن محفزا لسوق العمل.

وبقي لدي جانب اخر ارغب طرحه لإكمال الدائرة، وهي هيكلية. حيث ارى ان دور وزارة الاستثمار يجب ان يقتصر على حل العوائق والمشاكل الإدارية واللوجستية التي يواجها المستثمر.

وعلى سبيل المثال، لقد نجح القطاع السياحي في وضع الاْردن على خارطة السياحة العالمية من خلال مؤسسة مستقلة بالشراكة مع القطاع العام، تستخدم أفضل الأساليب التسويقية العلمية العالمية ومن خلال فريق مهني. ان قرار ضم مؤسسة تشجيع الاستثمار الى هيئة اخرى كان خطأ هيكليا جسيما يجب حله من خلال ابقاء النافذة الاستثمارية والإعفاءات ضمن هيئة الاستثمار وإعادة انتاج مؤسسة تسويقية متخصصة احترافية مستقلة في مجال جذب الاستثمار.

ان التسويق مهنة ذات تخصص عالي الشأن وتتطلب خبرات متفوقة. ان التزام الدولة بخلق فرص عمل للعاطلين عن العمل اليوم ومستقبلا مقرون بمدى استعدادها الاستثمار بجهاز تمكنها من ذلك.

إذا أردنا فعليا جذب الاستثمار الى بلدنا فذلك لن يحدث الا إذا قمنا بتسويق منتجنا مهنيا، وهو منتج مميز لعدة أسباب من أهمها اتفاقيات التجارة الحرة التي تتمنى الدول ان تكون لديها مثيل لها، ولكننا لم نستغلهم بالقدر الازم. فان أخطر ما يمكن ان يواجه مجتمع ما عدم قدرة المؤسسات الحكومية المرونة للتغير لتلبية حاجات الدولة.

ان فرض بيئة جاذبة للاستثمار ليست صعبة إذا كان هنالك إرادة فعلية لحل مشكلة البطالة، او على الأقل لوضعنا على المسار الصحيح. ولن يحتاج هذا الى استراتيجية بالغة التعقيد تتم كتابتها على مدى أشهر. فلن يحتاج هذا الى أكثر من اعلان بالتزام واضح لبداية عهد جديد عنوانه مكافحة البطالة وتوظيف جهود الدولة صوب الهدف.

لدينا المؤسسات، ولدينا الكوادر ولا ينقصنا سوى توجيه طاقاتهم في الاتجاه المرجو، وإزالة أي عائق سواء كان بشري او مؤسسي يعرقل هذا المسار، فالطاقة الايجابية التي بذلتها الحكومة مؤخرا مع جارتنا العراق والتي تلت الجهود الملكية السامية لفتح لهم الأبواب مثل واقعي لنجاح جهد حكومي إذا كانت لديها الإرادة الحقيقية لإنجاح مشروع ما.

ان التنمية الاقتصادية هو الكفيل للاستقرار، وهو الكفيل لتنظيف مجتمعنا من الشوائب التي تعاني منها والطاردة للاستثمار ومن أهمها استخدام منصات التواصل الاجتماعي مكانا للذم والقدح والمعلومات المضللة.

ان مسؤولية تعزيز البيئة الاستثمارية الجاذبة لفرص العمل لا تقع على كاهل الحكومة فقط بل هي مسؤولية مجتمعية نتحملها جميعا. والتنمية ايضا هو الكفيل لاستقبال دافئ للإصلاح السياسي على قاعدة اقتصادية متينة، حيث فشلت الدول التي ادخلت اصلاحات سياسية ذات النموذج الغربي على قواعد تنموية ضعيفة فشلا ذريعا، وتعاني اليوم من نسب بطالة ومديونية تفوق نسب الأردن.

التعليقات مغلقة.