صحيفة الكترونية اردنية شاملة

هل آن أوان السلام في سورية؟ بقلم: آلان حسن

أن يكون الانتهاء من العمليات العسكرية ضد داعش مؤشراً على بداية نهاية المعارك الكبرى في سورية قد يكون صحيحاً، إلى درجة ما، لكن الأكيد أنه لن يكون إعلاناً لانتهاء الحرب الطاحنة الممتدة منذ مارس/ آذار 2011، بل حلقة أولى في سلسلةٍ قد تمتد طويلاً.
لم تكن الحرب السورية يوماً مقتصرةً على الجانب العسكري، بل تعدّته إلى السياسي والاقتصادي والمجتمعي؛ ولعل الوضع في شرق نهر الفرات يجمع جوانب الحرب تلك، فالتهديد التركي باجتياح المنطقة يعيد إلى الأذهان سيناريو عفرين أوائل عام 2018، وامتلاك المنطقة جل ثروة سورية، النفطية والمائية والزراعية، يجعل منها هدفاً لأنقرة، من دون أن تكون لدمشق أدنى رغبة في التخلي عن “سورية الغنية” لصالح خصمها التركي.
كما أن التنوع الإثني والعرقي المتميز للمنطقة سلاح ذو حدّين؛ فقد يكون غنىً لسورية ككل، وربما وبالاً، حين تكون العلاقة بين المكوّنات قائمة على التمييز.
يقف كرد سورية في أشدّ مراحل الحرب حساسية؛ فلا الولايات المتحدة أعطتهم التطمينات التي يريدونها في مواجهة من يتربّص بهم الدوائر، ولا روسيا الاتحادية تلقّفتهم من الحلف الأميركي الذي تضعضع نتيجة قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سحب قواته من سورية، فلم تعمد موسكو إلى طمأنة كُرد سورية بأنهم لن يكونوا الطرف المهزوم، وأن عليهم تقديم فروض الطاعة للحكومة السورية أو لتركيا. أما إيران فلم تبدِ موقفاً واضحاً تجاه القضية الكُردية، حيث
“ليس لدى دمشق أدنى رغبة في التخلي عن “سورية الغنية” لصالح خصمها التركي” بقيت طهران تتأرجح بين مغازلة تركيا؛ حليفتها في “ترويكا أستانا” والإقرار بحقوق الكُرد في سورية.
لم تخرج الحكومة السورية من ديدنها بفرض شروط المنتصر على جميع فرقاء الحرب السورية، ومنهم الكُرد؛ حيث تتمسّك دمشق بكل ما من شأنه إرغام الكُرد على ترك كل مطالبهم جانباً، والانخراط في مسيرة الحكومة المتمثلة بالمصالحات الوطنية.
يحاول مجلس سوريا الديمقراطية (الممثل السياسي للإدارات الذاتية في شمال سورية وشمال شرقها) تدوير الزوايا في معركته الدبلوماسية، لاستثمار ما بقي له من رصيدٍ يستطيع استخدامه قبل انتهاء المصالح العسكرية المشتركة بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، كما “التنظيم” من الجنسيات الدولية المختلفة (يقدر عددها بـ 47 جنسية)، وكذلك بالتنظيم الإداري المتأتّي من تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية المشكلة في أوائل العام 2014، والتي خلت من انتهاكات كبيرة مماثلة لمناطق سورية أخرى. ويضاف إلى تلك الأوراق سيطرته على منابع النفط والغاز في شمال شرق سورية، وأيضاً تنظيمه العسكري؛ قوات سوريا الديمقراطية، التي أظهرت انضباطاً كبيراً منذ تشكيلها عام 2015.
جملة الأوراق الكُردية تلك لا تعني بالضرورة خروجهم من عنق الزجاجة التي وضعهم بها قرار الرئيس الأميركي، فالموقف على الأرض معقد للغاية، ولا يزيل الهواجس الكردية إبقاء مائتي جندي أميركي فترة محدّدة، كما قررت واشنطن أخيرا، فالواضح أن واشنطن تريد استجرار عروض تركية وروسية للاستئثار بمنطقة شرق الفرات مقابل إخراج (أو على الأقل تحجيمها)، وهذا ما يؤكده تهديد قائد التحالف الدولي في سورية والعراق لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، الجنرال لاكاميرا، بأن قوات سوريا الديمقراطية لن تبقى شريكاً للولايات المتحدة، إذا تحالفت مع النظام أو الروس.
في المقابل، فإن موسكو وعلى لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، تشكك في النيات الأميركية في سورية، وتقول إن هدف الولايات المتحدة يكمن في تقسيم سورية، وإقامة شبه دولة على الضفة الشرقية لنهر الفرات. أما المعارضة الكُردية، المتمثلة بالمجلس الوطني الكردي (المقرب من تركيا وحكومة إقليم كردستان العراق) فتريد كل من أنقرة ودمشق استعمالها ورقة لابتزاز “سوريا الديمقراطية”، واستبدال المشروع الكردي القائم، بمثل آخر
“موسكو تشكك في النيات الأميركية في سورية، وتقول إن الهدف تقسيم سورية” للكرد لا يملك أية قدرة على ملء الفراغ الذي سيخلفه (مجلس سوريا الديمقراطية)، فيما لو تم إقصاؤه.
يقوم المشروع التركي المقترح للأميركيين على أساس إنشاء قوة عسكرية، تضم قوات بشمركة روج آفا؛ الجناح العسكري للمجلس الوطني الكردي، وقوات النخبة التابعة لرئيس تيار الغد، أحمد الجربا، المقرّب من السعودية. وهاتان القوتان هما مصدر ثقة بالنسبة لتركيا، وليس أدلّ من ذلك من زيارة وفد من هيئة التفاوض لإقليم كردستان العراق، ولقاء رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، بغية إنشاء القوة العسكرية تلك، وكذلك زيارة البارزاني الأردن، والتي تلتها زيارة ملكها عبد الله الثاني أنقرة، إضافة إلى الزيارة المرتقبة للرئيس التركي، أردوغان، لإقليم كردستان العراق بعد الانتخابات البلدية في تركيا أواخر مارس/ آذار المقبل، والتي يعوّل عليها أردوغان في توسيع نفوذ حزبه.
الرئيس السوري بشار الأسد هو الآخر كانت نبرته شديدة اللهجة تجاه الكرد، ونعتهم بعبارات قاسية من جهة التعامل مع الولايات المتحدة، وهو ما ينمّ عن صعوبة التلاقي سياسياً في المدى المنظور، إلا إذا كان هناك تدخل روسي قوي، يقلب الطاولة على سيناريوهات الحرب.
من الواضح أن الوصول إلى نقطة نهاية الحرب ما زال بعيدا. وعليه، ستحدّد الخطوات القادمة للأطر السياسية مدى طول هذه الفترة، وعلى أطراف الحرب أن يكونوا على قدر كبير من العقلانية، وعلى استعداد لتقديم تنازلاتٍ مؤلمةٍ في سبيل الحفاظ على إمكانية إيجاد حل عادل ومستدام للحرب التي نهشت جسد البلاد، والعمل على بناء سورية لكل أبنائها. العربي الجديد

التعليقات مغلقة.