صحيفة الكترونية اردنية شاملة

اتفاق التجارة الأميركي ـ الصيني وخطر الفشل المحقق بقلم: مايكل شومان

على ما يبدو، تسرع المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين الخطى نحو نهاية متوقعة – إبرام اتفاق أجوف لا يتطرق إلى المشكلات الحقيقية التي تشكِّل فجوة بين أكبر اقتصادين في العالم. ومن المحتمل أن تأتي الضربة الأخيرة القاصمة في وقت لاحق من هذا الشهر متمثلةً في اجتماع قمة رفيع المستوى آخر بين الرئيسين دونالد ترمب وشي جينبينغ.
الحقيقة أنه حان الوقت للاعتراف بأن الاتفاقية «الشاملة» التي وعد بها ترمب لم تحظَ بأي فرصة للظهور على أرض الواقع، تحديداً بسبب الأسلوب الذي اختار اتّباعه من أجل الوصول إليها. الأسوأ من ذلك أن ترمب في خضمّ رغبته في الترويج لأي اتفاق يبرمه باعتباره انتصاراً أكبر وأهم من حقيقته، فإنه ربما يضمن بذلك فشله.
منذ البداية، كشفت استراتيجية ترمب تجاه التعريفات ليس تفهماً معيباً للاقتصاد الصيني ومشكلاته فحسب، وإنما كذلك جرى تصميم هذه الاستراتيجية على نحوٍ قوّى شوكة المقاومة لها داخل الصين. وكثيراً ما يميل من هم خارج الصين إلى افتراض أن الجمهورية الشعبية تخلو من حياة سياسية حقيقية، خصوصاً بعد مشاهدة أسلوب عمل مجلس الشعب الصيني، الأسبوع الماضي، وهو يصدر قرارات أشبه بتحصيل حاصل.
ومع هذا، تظل الحقيقة أن الحزب الشيوعي الصيني بداخله صراعات بين فرق متناحرة ويتبع أجندة آيديولوجية، علاوة على أن له صورة على الصعيد العام يحرص على الحفاظ عليها، مثلما الحال مع أي حزب سياسي.
كما أن حقيقة أن شي يهيمن حالياً بصورة كاملة على الحكومة، تخلق ضغوطاً على كاهله كي يحقق نجاحات ويحافظ على أداء اقتصادي قوي، لأنه ببساطة ليس هناك من يمكن توجيه اللوم إليه غيره. ويوحي ذلك بأنه ربما يكون حريصاً على إنهاء الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، خصوصاً أن الاقتصاد الصيني يبدي مؤشرات توحي بتباطؤ عجلة النمو. وفي الوقت الذي قد يبدو شي على استعداد لمنح ترمب ما يكفي لإبرام اتفاق، فإن تقديم قدر مفرط من التنازلات سيحمل خطورة سياسية أكبر بالنسبة إلى شي عن عدم إبرام أي اتفاق على الإطلاق.
أما أسباب ذلك فتضرب بجذورها في التاريخ، أو على الأقل النسخة التي يروج لها الحزب الشيوعي الصيني. يتمثل عنصر محوري في الخطاب الذي يعتمده الحزب للترويج لحكمه في أنه سيُصلح ما يعتبرها أخطاء الماضي. وتبعاً لهذا الخطاب، فإنه بدءاً من منتصف القرن التاسع عشر، استخدمت بريطانيا العظمى وفرنسا والولايات المتحدة وقوى أخرى، القوة أو هددت باستخدامها ضد الصين التي أصابتها آنذاك حالة من الوهن المؤقت، وذلك لاقتطاع أجزاء من أراضيها أو إجبارها على تقديم تنازلات اقتصادية أو الإقدام على أي تجاوزات أخرى مهينة ضد السيادة الصينية. ووقع ذلك من خلال سلسلة من المعاهدات «غير المتكافئة». وعبر ذلك السبيل، سيطر البريطانيون على هونغ كونغ واستحوذ اليابانيون على تايوان.
وكان الغرض الأكبر من وراء ذلك إجبار السوق الصينية على الانفتاح بعد أن حرصت سلالة تشينغ الحاكمة على إغلاقها بإحكام. اليوم، يروج الحزب الشيوعي الصيني لفكرة أن – بفضل سياساته الذكية في الحكم منذ تأسيس الجمهورية الشعبية عام 1949- الصين عادت قوية مجدداً وستثأر لنفسها من المذلات المهينة التي تعرضت لها في الماضي وتستعيد المكانة اللائقة بها كمحور للاقتصاد العالمي.
من جهتها، تحرص الآلة الدعائية التابعة للدولة على إبقاء حادثة إذعان الصين أمام «دبلوماسية مدافع الأسطول» حية في الأذهان. على سبيل المثال، رداً على الخطاب الذي ألقاه نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، العام الماضي، حول السياسة الصينية، ظهر تعليق في صحيفة «غلوبال تايمز» المملوكة للحزب ليذكِّر القراء بأن «الولايات المتحدة كانت من بين المتورطين في الإهانات وأعمال الاستغلال التي عانتها الصين خلال ما عُرف باسم (قرن المذلة)».
ويحد هذا الخطاب بصورة حادة من المرونة التي يتمتع بها شي. وسواء كانت القضية ادعاءات الصين بأحقيتها في السيادة على بحر الصين الجنوبي، أو حدودها المتنازع حولها مع الهند، أو القضية المعروضة على المحاكم ضد مسؤولة الشؤون المالية في شركة «هواوي»، فإن الحكومة لا يمكن أن تسمح بأن ينظر إليها المواطنون في الداخل باعتبارها تذعن أمام محاولات الاستئساد من جانب قوى أجنبية.
اللافت أن الاستراتيجية التي ينتهجها ترمب – وتفرض تعريفات على المنتجات الصينية – تتجاهل عن عمد هذا التاريخ ودوره في السياسات الصينية الحالية. ويقترب العديد من المطالب والتهديدات التي تطرحها واشنطن من مستوى غطرسة دبلوماسية مدافع الأسطول -على سبيل المثال، المقترح الأميركي بالسماح لواشنطن بإعادة فرض تعريفات إذا ما قررت أن الصين ولت عن تعهداتها، بينما يحظر على الصين الرد بالمثل. في الحقيقة احتمالات أن يقبل شي بمثل هذه الشروط «غير المتكافئة» لا تتجاوز الصفر.
تكمن المشكلة في أن التعريفات التي فرضها ترمب أضرت بالاقتصاد الأميركي بما يكفي، وكانت مصدراً لقلق المستثمرين، الأمر الذي لا يمكّنه من الخروج باتفاق أفضل. لقد دخلت البلاد بالفعل أجواء الحملات الانتخابية الرئاسية لعام 2020، وثمة قلق حيال انحسار أسواق الأسهم، وتشير تقارير إلى أن ترمب يضغط من أجل إنجاز المفاوضات بسرعة على أمل أن ينجح في حشد التأييد لصالحه.
المؤكد أن هذه العوامل الضاغطة ذاتها – والانتقادات التي سيوجهها الديمقراطيون إلى أي اتفاق ضعيف – ستشجع ترمب على الإقدام على المبالغة في إنجازاته بأكبر صورة ممكنة. ويعد هذا تحديداً التوجه الخطأ في التعامل مع الصين، ذلك أن شي سيكون بحاجة إلى الترويج لأي اتفاق جديد مع واشنطن على الصعيد الداخلي عبر تأكيد أنه لم يقدم سوى قليل من التنازلات، أو على الأقل خرج كلا الطرفين فائزاً بالصورة التي غالباً ما يروج لها. وعليه، فإن معارضةً ترمي علانيةً إلى هذا الطرح وبإصرار سوف تعزز الخطاب القائل بأن الصين تعرضت لمذلة جديدة. وسوف يشجع هذا الأمر بدوره الصين على تأكيد نفوذها المكتسب حديثاً، على صعيد التجارة وقضايا أخرى، على نحو من المؤكد أنه سيثير مزيداً من التوترات.
ومن المحتمل أن تتمثل نتيجة ذلك كله في اتفاق يطيل أمد الصراع بين الولايات المتحدة والصين، بدلاً من تسويته. والمؤسف أن ذات القوى السياسية لدى الجانبين التي تدفع باتجاه إبرام اتفاق مشكوك في جدواه هي التي ستؤجج حالة من المواجهة المستمرة.
– بالاتفاق مع «بلومبرغ»الشرق الاوسط

التعليقات مغلقة.