صحيفة الكترونية اردنية شاملة

نصٌّ دستوريّ بحاجة للتفسير

الحكومة التي يُحل مجلس النواب في عهدها تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل، ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها

تطرقت في بعض مقالاتي منذ ثلاثة أعوام حتى تاريخه للنصِّ الإنتقاميّ المُضاف إلى عجز المادّة ( ٧٤ ) من الدّستور و الذي جاء فيه ” الحكومة التي يُحل مجلس النواب في عهدها تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل، ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها ” .

و الحقيقة أنّ السطر الأخير منها خالف أصول الصياغات التشريعية و إبتعد عن الغاية المتوخّاة منه ، كما تعرّض – في شبهةٍ دستوريّة – لصلاحيّات جلالة الملك ، فوفقاً لمبدأ الفصل بين السُّلُطات و قرارات المجلس العالي لتفسير الدستور ، للسُّلطة التنفيذيّة – التي يرأسها الملك – حقّ ممارسة أعمالها في إدارة شؤون الدولة مع تقييد تلك الأعمال بالرّقابة اللّاحقة للبرلمان و حقّه في نقض أيّ منها عبر الأدوات الدستوريّة .

و عليه ، فإنّ الحقّ محفوظٌ بالمقابل لمجلس النوّاب في رفض تولّي شخصٍ معيّن رئاسة الحكومة عبر الثقة التي يمنحها أو قد يطرحها بالرئيس أو بعض أو أحد وزراء الحكومة لدى تكليفها و في أيِّ وقتٍ بموجب المواد ( ٥٣-٥٤ ) من دستورنا .

و لم أجد مثيلاً لهذا النصّ المانع في دساتير العالَم كافّة ، فضلاً عن أنه لا يحقّق غاية تحصين البرلمان من الحلّ كما أنّ أثره – رحيل الحكومة – يضاف لمدّة لاحقة لا يكون فيها البرلمان موجوداً من حيث الأساس بل إنقضت ولايته و لم يعُد صاحب سُلطةٍ دستوريّة أو قرار ، ممّا يجعل الإجراء مبتوراً من الناحيتين الديمقراطية و السياسية كذلك.

و لو أنّ الإضافة – رغم المآخذ القانونية عليها – إستثنت حالة الحلّ الطبيعيّ للمجلس النيابيّ المنتهية مدّته وفقاً للمادة ( ٦٨ ) من الدستور لتجاوزنا عن باقي العيوب التشريعية للأمر ، لكن أن يترتّب الجزاء السّياسيّ المتمثِّل بالرّحيل على حكومةٍ أدّت الواجب الدستوريّ لدى الإستحقاق و نسّبت بحلّ المجلس تمهيداً لإجراء الإنتخابات في ميقاتها فهذا عيبٌ و شططٌ تشريعيّ ، و يتضح أن النيّة قد إنحرفت عن مقترح ” اللجنة الملكية لتعديل الدستور ” والتي كانت تصبو لإعادة إنتاج
نصٍّ قريب من ذاك الذي أُدخل للدستور عام ( ١٩٥٤ ) و رُفِعَ عنه في ( ١٩٥٨ ) الموجب لرحيل الحكومة المنسِّبة بالحلّ إذ أوجب إستقالتها و إجراء الإنتخابات بحكومة ” إنتقاليّة ” تماماً كما هو حال الحكومة التي تجري الإنتخابات ثم ترفع إستقالتها للسدّة الملكيّة سنداً للعُرف الدستوري وقد يعتد تكليفها ، لكنّ الحُكم جاء بالصيغة المُنتَقدة القاسية دون قيد أو شرط يُميّزُ بين حالة الحلّ الطبيعيّة و الإستثنائيّة كأسبابٍ موجبةٍ له .

لذا ، و حتى لا ندخل في جدل تعديل دستوريٍّ للمادة ، من الممكن إستفتاء المحكمة الدستورية لمعرفة القصد الذي ذهب إليه المشرِّع إن كان يميّز بين الحلّ الإستحقاقيّ أو الإستثنائي للبرلمان ، طالما أن التفسير جزءٌ مكمِّلٌ للدستور و لم تستقرّ الحالة – الرحيل المزدوج – لتشكل عرفاً دستوريّاً إذ لم تتكرّر سوى مرتين منذ إضافة النصّ فضلاً عن أنّ الغاية من النصّ كانت واضحة في حينه و هي الحدّ من إستخدام الحكومات لحقّها الدستوري بالتنسيب لحلّ مجلسٍ قبل إنتهاء مدّته الدستوريّة .

التعليقات مغلقة.