صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الأردن ..غياب الأمل لدى الشباب يهدد الأمن والإستقرار الداخلي

أصبح هناك قناعة لدى الشباب بأن الفعل الشعبي والإحتجاج بمختلف الأشكال هو السبيل الوحيد لإحداث تغيير في الوضع القائم ككل، ولم يعد هناك أي إستعداد لدى الشباب للإستمرار في قبول الوضع القائم ، في ظل إنتشار الفساد والواسطة وعدم العدالة في التعيينات

توقع تقرير صدر عن صحيفة «فايننشال تايمز» قبل عام، أن الدول العربية ستشهد موجة ‏جديدة من ثورات الربيع العربي ‎،‎‏ مستندا الى معطيات اقتصادية وسياسية واجتماعية، تعاني منها بلدان العالم العربي، أبرزها ما يعرف بالقنبلة السكانية، إذ تشهد المنطقة واحداً من أسرع معدلات ‏النمو السكاني ( سواء الطبيعي أو الناتج عن الهجرات واللجوء) مصحوبا بسياسات اقتصادية كارثية، مثقلة بأعلى معدل بطالة في قطاع الشباب في العالم. إذ أنَّ (30%) تقريباً من الشباب عاطلون عن العمل، في حين تتطلَّع حكومات دولهم التي تعاني أزمة مالية لإصلاح نظم الدعم المكلّفة، دون ان تستطيع توفير خروج آمن من عنق الزجاجة، الذي تمر به مجتمعاتها، فلا تجد، الأنظمة أمامها، إلا زيادة قبضتها الأمنية، عبر سياسات قمع الحريات والتقييد المفرط للتعبير عن الرأي، حتى تصل الحالة الى نقطة الانفجار.
وصدقت تنبوءات التقرير بإندلاع أحداث الربيع العربي مجددا في السودان والجزائر ، وهي مرشحة للإنتقال الى دول عربية اخرى .
ففي بلدنا الأردن تشكل الأزمة الإقتصادية وتدهور الأوضاع المعيشية للناس وإرتفاع نسبة الفقر والبطالة ، التحدي الرئيسي الذي يهدد الإستقرار الداخلي ، ومما يزيد من أزمات الأردن الداخلية أزمات الدول المجاورة وازمة اللجوء الى الأردن، إضافة الى أن زيادة نسبة السكان وخاصة في الفئات العمرية الشابة، أكثر من نسبة النمو الإقتصادي ، أدت الى عدم قدرة الإقتصاد الوطني على توليد فرص عمل جديدة ، وبالتالي إزدادت نسبة البطالة خاصة في صفوف خريجي الجامعات .
ففي عام 2017 ، كان عدد سكان الأردن 9.9 مليون مواطن مقارنة بـ 7.2 مليون في عام 2011. والأسباب الكامنة وراء ذلك هي موجات اللاجئين من سوريا والعراق وفلسطين واليمن وليبيا. كما أن معدل النمو السكاني هو 3 في المائة ، وهو من أعلى المعدلات على المستوى العالمي. كما أن أكثر من 70 في المائة من سكان الأردن من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً وهؤلاء لديهم القدرة والكفاءة على العمل ، لكنهم لا يستطيعون إيجاد الفرص التي تتواءم مع دراستهم وخبراتهم. وإرتفعت نسبة البطالة وفقا للأرقام الرسمية إلى نسبة 18.7 في المائة ، بينما تكشف بعض الدراسات أن نسبة البطالة وصلت إلى نسب أكثر من 32 في المائة. في حين أن نسبة النمو الإقتصادي تترواح منذ ست سنوات حول الرقم 2 في المائة ، وهي غير كافية لتوليد فرص عمل جديدة .
وقد أدى التوسع الكمي في التعليم العالي في الأردن وغياب التخطيط السليم وفوضى التخصصات غير المطلوبة في سوق العمل، الى عبء على النظام السياسي ككل. ففي الوقت الذي ترتفع فيه سقوف وطموح وتوقعات الخريجين لمستقبل أفضل، ترتفع حجم خيبة أمل هؤلاء بحجم التوقعات عندما يصطدموا بالواقع : عدم حاجة السوق لتخصصاتهم ، ندرة فرص العمل، غياب العدالة الإجتماعية وعدم تكافؤ الفرص في التعيينات ، الواسطة والمحسوبية والشللية ، الفساد المستشري في كل قطاعات الدولة.
إن الزيادة السنوية لأعداد خريجي الجامعات، مع عدم القدرة على تشغيلهم سوف يؤدي الى تهديد الإستقرار الداخلي للدولة، نظرا لفقدان الأمل بالمستقبل بالنسبة لهؤلاء . وقد إبتدع هؤلاء الشباب أساليب جديدة في الآونة الأخيرة للإحتجاج على عدم تشغيلهم بالتوجه من مختلف المحافظات الى عمان والتجمع أمام الديوان الملكي لعدم ثقتهم بالإجراءات الحكومية .
وقد أصبح هناك قناعة لدى الشباب بأن الفعل الشعبي والإحتجاج بمختلف الأشكال هو السبيل الوحيد لإحداث تغيير في الوضع القائم ككل، ولم يعد هناك أي إستعداد لدى الشباب للإستمرار في قبول الوضع القائم ، في ظل إنتشار الفساد والواسطة وعدم العدالة في التعيينات . وينظر الشباب الى هذا الفساد كنوع من أنواع الظلم وليس سوء إدارة وهو يثير الغضب أكثر من الفقر ، فربما يرضى الشباب بالفقر الى حين إذا كان مرتبطا بظروف مفروضة وخارجة عن إرادة الدولة، أما إذا كان مرتبطا بالفساد فالأمر مختلف .
ومع إقتراب شهر رمضان المبارك يجب على الدولة الإنتباه الى وجود جاهزية عالية للشباب ( كما حدث في شهر رمضان الماضي) في مختلف المحافظات للتحرك والإحتجاج وتطوير أساليبهم وإستعدادهم لفعل أي شئ لتغيير هذه الظروف بما في ذلك الوصول الى درجة الإصطدام مع الدولة وأجهزتها، مع الإشارة الى أن الشباب هم الذين قادوا ثورات الربيع العربي ، ولا يوجد شئ يخسرونه .
وبالتالي مطلوب من الدولة ومؤسساتها التحرك بسرعة وعدم الإستخفاف بمطالب الشباب في كل المحافظات ووضع حلول عملية شاملة لتشغيلهم ، وعدم الإنتقائية في التجاوب مع مطالب مناطق معينه ، وتجاهل مطالب الشباب في باقي المحافظات ، لأن ذلك سيولد مظالم جماعية قد تنفجر في أي لحظة . كما يتطلب ذلك إجراءات مشددة من قبل الدولة ومؤسساتها ضد العمالة الوافدة (مليون وافد) التي تسيطر على السوق الاردني وتعمل بمهن غير مصرح لها بها .

التعليقات مغلقة.